يقع عمالقة التكنولوجيا فى الصين فى مرمى نيران المنظمين فى البلاد، الذين يحاولون اكتشاف كيفية إنشاء مجموعة قواعد لمكافحة الاحتكار، من شأنها إبقاء هذه الشركات تحت السيطرة.
وفى هذا الصدد، يقول الخبراء إن بكين ستحتاج إلى ضمان يتيح لها تحقيق موازنة بين سعيها لوضع لوائح جديدة ومساعيها لتصبح رائدة تكنولوجية عالمية.
وكما هو الحال فى الولايات المتحدة، توسع قطاع التكنولوجيا الصينى إلى حد كبير، ولكن فى بعض المجالات تدخلت الهيئات التنظيمية بالفعل وهى تعمل الآن على تكثيف تلك الجهود.
وقالت كندرا شايفر، الشريكة فى شركة الاستشارات «تريفيوم تشاينا»، ومكاتبها فى بكين ولندن، فى حوار أجرته مع شبكة «سى.إن.بى.سى» الإخبارية الأمريكية: «مثل واشنطن، تتمتع بكين بعلاقة حب وكراهية مع أبطالها فى مجال التكنولوجيا».
وأضافت شايفر: «من ناحية، تمثل هذه الشركات التحديث الناجح للصين والقدرة التنافسية العالمية المتنامية، ومن ناحية أخرى كافحت بكين منذ فترة طويلة بشأن كيفية ملائمة التكنولوجيا الكبيرة فى اقتصاد السوق الاشتراكى».
فى بداية الأسبوع الماضى، أصدر مكتب الصين لتنظيم الاحتكارات مسودة قواعد تحدد، لأول مرة، ما يشكل سلوكا مناهضا للمنافسة، وتغطى هذه المسودة اللائحة، الصادرة عن إدارة الدولة لتنظيم السوق، مجالات تشمل التسعير وطرق الدفع واستخدام البيانات لاستهداف المتسوقين.
وتعتبر هذه المحاولة الأكثر شمولا لتنظيم ما تعتبره بكين سلوكا احتكاريا- تتبعه عمالقة التكنولوجيا فى البلاد- والذى نما بدوره بشكل ملحوظ فى الأعوام القليلة الماضية.
والجدير بالذكر أن مكتب بكين يسعى للحصول على آراء العامة بشأن مسودة القواعد حتى 30 نوفمبر الجارى.
التنظيم الصينى السابق
تعد الخدمات التى تقدمها أفضل شركات التكنولوجيا الصينية ضرورية للحياة اليومية، فعلى سبيل المثال، يستخدم أكثر من مليار شخص شهريا تطبيق «وى شات» للمراسلة التابع لشركة «تينسنت»، ولكنه ليس مجرد تطبيق للمراسلة، بل يمكن للمستخدمين استخدامه أيضا فى عمليات الدفع من خلال خدمة «وى تشات باى»، فضلا عن حجز الرحلات الجوية والقطارات والتسوق عبر الإنترنت، كما أن «تينسنت» تعتبر قوية أيضا فى قطاع الألعاب.
وفى الوقت نفسه، تتمتع منصة «أليباى» للدفع عبر الإنترنت التابعة لمجموعة «أنت جروب» أيضا بأكثر من 700 مستخدم نشط شهريا، وهو ما يعتبر ثلث مستخدمى «أنت جروب»، المملوكة لعملاق التجارة الإلكترونية «على بابا»، الذى يعتبر أيضا شركة حوسبة سحابية.
وأشارت «سى.إن.بى.سى» إلى تراجع أسهم شركات التكنولوجيا الصينية، يوم الأربعاء، بعد صدور أنباء عن مسودة قواعد مكافحة الاحتكار، وذلك نظرا لحقيقة أن عمالقة الإنترنت هؤلاء قد يخضعوا جميعا للتنظيم، وفقا لكيفية تنفيذها.
وأوضحت أن بكين سعت إلى معالجة جوانب مثل هذه الأعمال التجارية فى الماضى، فعلى سبيل المثال، جمد المنظمون، فى بداية عام 2018، الموافقات على ألعاب الفيديو الجديدة فى ظل الخوف من احتوائها على قدر كبير من العنف وإمكانية تسببها فى إصابة الأطفال بمشاكل فى العين، وبالتالى أصبحت الألعاب بحاجة للحصول على ضوء أخضر من المنظمين لإصدارها فى الصين.
وكانت «تينسنت» واحدة من الشركات الأكثر تضررا من تلك الخطوة.
كيف ستؤثر على عمالقة التكنولوجيا الصينيين؟
ويمكن أن تكون عملية تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار الجديدة، التى يقال بأنها الأكثر شمولا، صعبة للغاية.وتشير ملاحظة حديثة صادرة عن «مورجان ستانلى» إلى أن شركات «على بابا» و «تينسنت» و «ميتوان» و «جيه دى.كوم» و «بيندو دو» يمكن أن تتأثر بالقواعد الجديدة.
قال بول تريولو، رئيس ممارسة التكنولوجيا الجغرافية فى مجموعة أوراسيا، لشبكة «سى.إن.بى.سى» عبر البريد الإلكتروني: «سيعتمد الأمر على كيفية تطبيق هذه الإرشادات أو ما إذا كان هناك المزيد من التشريعات أو اللوائح قيد الإعداد».
ومع ذلك، يعتبر التعامل مع التنظيم ليس بالأمر الجديد بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا فى الصين فى سوق يمكن أن تدخل القواعد حيز التنفيذ بشكل غير متوقع وبسرعة كبيرة، فعلى سبيل المثال، تعاملت «تينسنت» مع لوائح عديدة تتعلق بصناعة الألعاب.
وفى هذا الصدد، قالت شايفر، من «تريفيوم تشاينا»، إن هذه الشركات بارعة إلى حد ما فى التمحور بسرعة لدمج المتطلبات التنظيمية المتغيرة فى استراتيجيات أعمالها.
ورغم أن الولايات المتحدة لم توافق بعد على الشكل الذى سيبدو عليه تنظيم شركات التكنولوجيا الكبيرة لديها، إلا أن هناك آراء تفيد أن الصين يمكن أن تتحرك بسرعة فى هذا المجال، وهو ما قد يفسر رد الفعل المفاجئ فى أسهم التكنولوجيا الصينية.
طموحات الصين التكنولوجية العالمية
كان عمالقة التكنولوجيا فى الصين يحاولون التوسع فى الخارج على مدى الأعوام القليلة الماضية، فقد استحوذت «على بابا» على حصة مسيطرة فى شركة «لازادا» للتجارة الإلكترونية، ومقرها سنغافورة، فى عام 2016 للتوسع فى جنوب شرق آسيا.
ويعتبر عملاق التكنولوجيا الصينى «هواوى» مثال آخر، فقد كان يمتلك شركة دولية مزدهرة للهواتف الذكية وأجهزة الشبكات قبل فرض العقوبات الأمريكية عليه.
وتعتبر الشركات، مثل «هواوى» مفتاحا لطموحات الصين العالمية الأوسع نطاقا لتصبح قوة تكنولوجية عظمى، وهو الهدف الذى ستحتاج بكين إلى موازنته أثناء تنظيم قطاع التكنولوجيا لديها.
وقال تريولو، من مجموعة أوراسيا: «يجب على المنظمين أيضا توخى الحذر، فالشركات الكبيرة لديها الحجم اللازم لجنى الفوائد من البيانات والمنافسة فى ساحة اللعب العالمية، وهو هدف آخر تتوق بكين للوصول إليه».