فى الوقت الذى تتطلع فيه دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها المعتمدة على البترول، فإنها تعلق آمالها على السياحة التراثية غير المستغلة لتعزيز النمو.
فى السعودية، يجرى الترويج للآثار الرائعة، التى كانت لفترة طويلة منيعة على السياحة العالمية، باعتبارها رحلات ضرورية بالنسبة للمسافرين الباحثين عن مواقع غير مكتشفة، فى حين تعمل الدول الإقليمية الأخرى، الموجودة بالفعل على خريطة السياحة، على تحويل عروضها بعيداً عن عطلات الشمس والبحر والاتجاه إلى الزوار الساعين للاستمتاع بتاريخ الجزيرة العربية.
ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن واحة العلا الواقعة شمال غرب السعودية، وهى أكبر موقع لحضارة الأنباط العربية القديمة التى عُثر عليها جنوب البتراء الأردنية، افتتحت أمام السياح فى أكتوبر بعد عامين من التجديد.
ويعرض أول موقع لليونسكو فى البلاد 100 مقبرة وواجهات مقطوعة من نتوءات الحجر الرملى المحيطة بمدينة مدائن صالح النبطية على طريق تجارة البخور الذى بلغ ذروته فى قرنين قبل وبعد العصر المشترك، كما أن هناك وجهة أخرى يجرى تجهيزها للسياح بالقرب من مدينة دادان، التى يعود تاريخها إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، بجانب النقوش الصخرية فى جبل إكمة.
وقال تيم باور، خبير آثار استشارى مقيم فى الإمارات، إن السعودية تريد التخلى عن العزلة الإسلامية المحافظة من أجل نظرة أكثر عولمة، مضيفاً: «عندما يفكر الناس فى مصر، فإنهم يفكرون فى الأهرامات، ولكن الآن ترغب القيادات السعودية فى اقتيادهم للتفكير فى واحة العلا، التى تعد صورة إيجابية للتراث الثقافى الغنى».
وظهور هذا القطاع البالغ قيمته مليارات الدولارات، دفع جامعة زايد فى أبوظبى، لتطوير درجة ماجستير فى التراث والتنمية وريادة الأعمال.
وأوضح باور أن ماجستير إدارة الأعمال فى صناعة التراث يعكس الطلب المتزايد فى السوق.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من هذا الطلب قد عُزز من خلال الانفتاح الاجتماعى والاقتصادى فى عهد ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، الذى حدد صناعة التراث والقطاع الثقافى كفرص لتنويع الاقتصاد استعدادا لنهاية البترول، فضلاً عن كونها طريقة لتشكيل هوية وطنية مشتركة للشباب المتنامى فى المملكة.
وفى ضواحى الرياض، تحولت مدينة الدرعية، مسقط رأس آل سعود، إلى وجهة ثقافية كجزء من مشروع يسمى «بوابة الدرعية» وتبلغ قيمته 17 مليار دولار، أما داخل العاصمة التاريخية، فتعتزم الحكومة افتتاح حى الطريف للجمهور فى يناير، وكشف النقاب عن عدة كيلومترات من الممرات المليئة بالمئات من المبانى المرممة، بجانب المتاحف والمعارض التى ترصد تاريخ العاصمة.
ويظهر الاندفاع نحو السياحة الثقافية فى أماكن أخرى من الخليج، فلطالما نصبت رأس الخيمة، المتواجدة فى أقصى شمال الإمارات، نفسها كوجهة مشمسة وبحرية، مع ميزة إضافية تتمثل فى وجود تضاريس متنوعة، مثل سلاسل الجبال الأكثر إثارة للإعجاب فى البلاد.
وفى ظل تضرر السياحة العالمية بسبب تفشى جائحة كورونا، تحولت رأس الخيمة إلى الطلب المحلى، فقد انخفض أعداد السياح بنسبة %35 فقط بين شهرى يناير وأغسطس، حيث اُستبدل الزوار الأجانب بسكان الإمارات الذين يقضون عطلاتهم فى الإمارة.
وقال الرئيس التنفيذى لهيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة، راكى فيليبس: «ما جعلنا جذابين هو الطبيعة والمساحات المترامية الأطراف التى تجعل التباعد الاجتماعى مريحاً، ونعتقد أيضاً أن الجانب الثقافى جزء محورى ضمن عوامل الجذب»، موضحاً أن الإمارة تتخطى الآن سياحة المغامرات التى تحركها الطبيعة، مثل أطول خط مستقيم للألعاب النارية، لتسليط الضوء على تاريخ الإمارة.
وتقوم الحكومة منذ أعوام بجمع المعلومات وترميم المواقع وخلق تجارب لازمة للاستفادة من تاريخ يمتد إلى مستوطنينها الأوائل منذ 7000 عام، ويعتقد فيليبس أنه بمرور الوقت، سيكون أكثر من %20 من عروض السياحة فى الإمارة عروض ثقافية.
أشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن ثمة مواقع خليجية أخرى يمكن زيارتها، منها قلعة البحرين، وواحة بهلاء فى عمان، وواحة العين فى الإمارات.