على مدى الـ30 عاماً الماضية، استطاعت جرازيا سانتانجيلو جنى الأموال من بيع الكتب والمجوهرات فى سوق شارع بالارو بمدينة باليرمو الإيطالية، والتى تعتبر أحد أقدم الأسواق وأكثرها حيوية فى جنوب إيطاليا، لكن هذه السوق تعتبر الآن شبه مهجورة، نظراً لجائحة كورونا.
وأظهرت دراسة حديثة أجراها البنك المركزى الإيطالى، أن 30% تقريباً من سكان إيطاليا عانوا من انخفاض دخل أسرهم نتيجة للتدابير المتخذة لاحتواء تفشى الوباء، كما أوضح مكتب الإحصاء الوطنى انخفاض إنفاق الأسر بنسبة 11.5% فى الربع الثانى من عام 2020، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين لجأوا إلى منظمة “كاريتاس” الكاثوليكية الخيرية بين شهرى مايو وسبتمبر قاموا بذلك لأول مرة فى حياتهم.
وأوضح الاقتصاديون، أن أكثر الفئات تضرراً هم أولئك الذين يعيشون فى جنوب البلاد، والذين يعيشون فى ضواحى المدن وفى المناطق الريفية، وأولئك الذين يعملون أيضاً فى الاقتصاد الإيطالى الواسع غير الرسمى وغير الموثق.
وكانت معدلات التوظيف منخفضة بالفعل قبل تفشى الوباء، لكن نسبة العاملين انخفضت فى جنوب إيطاليا بشكل أكثر من أى منطقة أخرى، فقد جرى توظيف ما يزيد قليلاً عن 2 من كل 5 من سكان الجنوب ممن هم فى سن العمل فى الربع الثانى، على عكس 2 من كل 3 فى الشمال.
وأظهرت بيانات البنك المركزى الإيطالى، التى نُشرت هذا الصيف، أن الضرر الذى لحق بدخل الأسر وصافى الدعم الحكومى كان أكبر أيضاً فى جنوب البلاد منه فى الشمال.
ورغم معاناة جنوب إيطاليا من حالة طوارئ صحية أقل خطورة من الشمال فى المراحل الأولى من الوباء، إلا أنها شهدت مؤخراً عودة ظهور الوباء، مما يهدد بأضرار اقتصادية متجددة.
وقالت فالنتينا ميليسيانى، من جامعة لويس الإيطالية: “رغم أن الشمال يعانى بشكل كبير من خمول الإنتاج، لكن على المدى المتوسط، عندما نخرج من الأزمة، سيكون هناك انتعاش أقوى فى المناطق التى تضم معظم البنية التحتية والوظائف المتخصصة بدرجة عالية، بينما ستكون العواقب الأكثر كارثية فى المناطق الأكثر هشاشة التى تفتقر للخدمات الرقمية والبنية التحتية”.
وحتى قبل الوباء، كان جنوب إيطاليا يحتوى على نسبة سكان عاملين أقل من أى منطقة أخرى فى أوروبا، فضلاً عن قطاع غير رسمى أكبر وفرص عمل ضعيفة، خاصة بالنسبة للشباب والنساء، كما أن ما يصل إلى نصف السكان فى بعض المناطق كانوا معرضين بشدة لخطر الفقر والاستبعاد الاجتماعى.
وينتشر فى جنوب إيطاليا أيضا الأعمال المؤقتة والأدنى أجرا والوظائف التى تنطوى على التقارب المادى، مثل البيع بالتجزئة والضيافة والترفيه، والتى تتحمل وطأة التداعيات الاقتصادية، كما أن أكثر من نصف أطفال الأسر الفقيرة فى الجنوب ليس لديهم شبكات إنترنت فى منازلهم، وبالتالى يفتقرون لإمكانية الوصول للدروس الإلكترونية أثناء الإغلاق.
وحذر ماسيمو رودا، كبير الاقتصاديين فى الاتحاد العام للصناعة الإيطالية، من إمكانية استمرار العواقب الاقتصادية لهذا الوضع لعدة أعوام، خاصة فى الجنوب، وقد تكون أقوى بالنسبة للشريحة الأصغر والأقل تأهيلاً من السكان.