الاستفادة من المزايا النسبية للمحافظات والأقاليم وتوجيه الاستثمارات بشكل أكثر كفاءة وفاعلية
الدولة تستهدف زيادة الاستثمارات العامة بنسبة 70% بما يعكس الأولويات التى فرضتها أزمة “كورونا”
قال الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إن الاقتصاد المصرى يعتبر الاقتصاد الوحيد فى المنطقة الذى حقق معدلات نمو اقتصادى إيجابى فى ظل أزمة فيروس كورونا المستجد، وفقا لشهادة المؤسسات الدولية.
وأشار مدبولى إلى نتائج تقرير “آفاق الاقتصاد العالمى” الصادر عن صندوق النقد الدولى فى أكتوبر 2020، والذى رفع فيه توقعاته لنمو الناتج المحلى الإجمالى لمصر إلى 3.5% لهذا العام، مقابل توقعاته السابقة عند 2% فى تقرير شهر يونيو الماضى، مما يجعل مصر ضمن ثلاثة اقتصادات وحيدة فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تحقق نمو اقتصادى فى 2020.
بجانب تقرير مؤسسة “فيتش للتصنيف الائتمانى”، بأن مصر فى طريقها لتحقيق أعلى معدل نمو حقيقى فى الناتج المحلى الإجمالى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين 2020 وحتى 2024، ويأتى فى هذا الإطار انخفاض معدل البطالة إلى 7.3% فى الربع الثالث “يوليو-سبتمبر” من عام 2020 مقارنة بـ9.6% فى الربع السابق “أبريل -يونيو” من العام.
جاء ذلك فى كلمة لرئيس الوزراء ألقاها نيابة عنه الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، اليوم الأربعاء فى النسخة الثانية للقمة الاقتصادية لمصر لعام 2020.
وأوضح أن تنفيذ الحكومة للعديد من الإصلاحات من خلال المرحلة الأولى للبرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى منذ نوفمبر 2016، أدى إلى تحقيق الاستقرار الكلى والنمو الشامل، والذى انعكس على المؤشرات الإيجابية التى شهدها الاقتصاد المصرى خلال 2019-2020 وقبل حدوث أزمة كورونا، ليبلغ معدل النمو الاقتصادى حوالى 5.6% فى النصف الأول من العام ونحو 5% خلال الربع الثالث، وبمتوسط نمو 5.4% فى التسعة أشهر الأولى من العام، إلى أن جاءت أزمة كورونا وأثرت بالانخفاض فى العديد من المؤشرات الاقتصادية.
وأكد أنه رغم هذا الانخفاض النسبى إلا أن جهود الإصلاح وما يتميز به الاقتصاد المصرى من تنوع فى القطاعات قد ساهم فى أن يصبح الاقتصاد المصرى أكثر مرونة وقدرة على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية.
وأشار رئيس الوزراء إلى إشادة جميع المؤسسات الدولية بالاستجابة المصرية السريعة للموجة الأولى من جائحة كورونا، ووصفها بأنها تعد من بين الأفضل فى أفريقيا والشرق الأوسط، حيث اتخذت الحكومة سياسات استباقية اعتمدت على خطة واضحة ومدروسة تستهدف الفئات والقطاعات الاجتماعية كافة من أجل التخفيف من آثار وباء كورونا.
وأوضح أن الخطة ارتكزت على عدة محاور تمثلت فى مساندة القطاعات المتضررة، ومساندة القطاعات التى لديها المرونة والقدرة على تحمل الأزمة والتعافى السريع، والعمل على تعظيم الاستفادة من الفرص التى يمكن أن تتوافر فى هذه القطاعات، فضلًا عن مساندة الفئات المتضررة من خلال مساندة العمالة المنتظمة وغير المنتظمة.
وأشار إلى المنحة الرئاسية التى كانت مقررة لمدة 3 أشهر تم مدها بتوجيه من رئيس الجمهورية حتى نهاية عام 2020، إضافة إلى تنشيط الاقتصاد من خلال زيادة الدخول وزيادة الاستثمارات فى القطاعات التى تحظى بأولوية.
التوسع فى إنشاء المجمعات الصناعية المتخصصة وتوطين مشتريات شركات قطاع الكهرباء
وأضاف مدبولى أن أزمة فيروس “كورونا” أعادت ترتيب أولويات جميع الدول، حيث أكدت أهمية عدد من المجالات التى تمثل أولويات ملحة لأغلب دول العالم، وفى مقدمتها قطاعى الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية.
وأوضح أن الدولة المصرية أخذت فى اعتبارها، أثناء التعامل مع أزمة “كورونا”، الموازنة بين حماية الأفراد واستمرار النشاط الاقتصادى. وقال إن ذلك انعكس على اهتمام الحكومة بشبكات الحماية الاجتماعية وخلق فرص العمل، من خلال التوسع فى عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة واستمرار تنفيذ مبادرتى “حياة كريمة” و”مراكب النجاة” باعتبارها أبرز الأدوات لتعزيز مظلة الحماية الاجتماعية.
أضاف أن اهتمام الدولة المصرية بتوطين التنمية “التوطين المحلى لأهداف التنمية المستدامة”، جاء ضمن الأولويات بهدف تحقيق مفهوم «النمو الاحتوائى والمستدام والتنمية الإقليمية المتوازنة»، كأحد الركائز الأساسية لرؤية مصر 2030.
وأشار إلى أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية تعمل على مشروعات تنفيذية لتحقيق ذلك بالتعاون مع شركاء التنمية المحليين والدوليين من خلال وضع مستهدفات كمية لكل مؤشر من مؤشرات أهداف التنمية المستدامة على المستوى القومى وعلى مستوى المحافظات.
وقال إن ذلك يهدف إلى تعظيم الاستفادة من المزايا النسبية للمحافظات والأقاليم المصرية، وتوجيه الاستثمارات فى إطار الخطة العامة للدولة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية، مع التركيز على المحافظات التى لديها فجوات تنموية أكبر وفقًا لفكرة الاستهداف، والتى ترتكز عليها جهود الدولة فى تنفيذ المشروعات التنموية.
أضاف رئيس الوزراء أن الدولة المصرية تقوم بزيادة الاستثمارات العامة بالتركيز على عدد من القطاعات الواعدة التى تمثل ركيزة أساسية لدفع النمو فى المرحلة المقبلة مثل قطاعات الخدمات الصحية والمستلزمات الطبية، الزراعة، الصناعات الغذائية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتشييد والبناء والصناعات التحويلية.
وأوضح أن الدولة تستهدف زيادة الاستثمارات العامة بنسبة 70% ، وبما يعكس الأولويات التى فرضتها أزمة “كورونا”.
وقال إن أهم القطاعات التى يتم العمل على زيادة الاستثمارات المخصصة لها تتمثل فى قطاع الصحة، وقطاع التعليم باعتباره يمثل أهمية قصوى للدولة المصرية بوصفه الأداة الرئيسة للتنمية وبناء قدرات الانسان والمدخل الرئيسى لتقدم المجتمع.
أضاف أن خطط التنمية وبرامجها تركز على النهوض بخدمات التعليم وتطويرها لتتلاءم مع متطلبات العصر، وتحقيقاً لذلك جاء برنامج عمل الحكومة للنهوض بقطاع التعليم متضمناً استراتيجيةً شاملةً لتطوير التعليم سواء العام أو الفنى بهدف تحسين جودة النظام التعليمى بما يتوافق مع النظم العالمية، والعمل كذلك على إتاحة التعليم للجميع، وتحسين تنافسية نظم ومخرجات عملية التعليم لتلائم متطلبات سوق العمل.
وأوضح أن الدولة تعمل جاهدة لحشد الموارد المالية اللازمة للنهوض بقطاع التعليم وزيادة الاستثمارات الموجهة لهذا لقطاع، حيث تستهدف الخطة عام 2020-2021 توجيه استثمارات كلية لخدمات التعليم تبلغ حوالى 50.9 مليار جنيه مقارنة بنحو 31.4 مليار جنيه عام 2019-2020 بمعدل نمو 61%، وتشكّل الاستثمارات العامة فى خطة العام المالى الجارى نحو 47.7 مليار جنيه، وبنسبة 93.7% من إجمالى الاستثمارات الكلية، وبمعدل نمو 28% مقارنة بالعام السابق.
وأشار إلى أن الدولة تولى أهمية قصوى كذلك لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية للرقمنة فى إطار تعزيز التوجه نحو التحول الرقمى وتكثيف الاستثمارات فى هذا المجال.
وقال إن الدولة توسعت فى الاستثمارات فى قطاع البنية المعلوماتية والرقمنة، حيث ارتفع حجم الاستثمارات الموجهة لهذا المجال فى خطة 2020-2021 إلى نحو 10 مليارات بنسبة زيادة قدرها نحو 300%.
أضاف أن قطاع الصناعة وخصوصاً الصناعات التحويلية من القطاعات الرئيسية التى ترتكز عليها جهود الدولة لتحقيق النمو المستدام وتنويع الهيكل الإنتاجى وخلق فرص العمل اللائق والمنتج، من خلال زيادة الاستثمارات العامة الموجهة لقطاع الصناعات التحويلية “غير البترولية” لنحو 65 مليار جنيه، مع التوسع فى إنشاء المجمعات الصناعية المتخصصة، والبدء فى توطين مشتريات شركات قطاع الكهرباء، فضلًا عن توطين إنتاج المنتجات الطبية التى أثبتت أزمة كورونا ضرورة زيادة نسب الاكتفاء الذاتى منها. بالإضافة إلى تعميق التصنيع الزراعى وتوطين منتجات قطاع الاتصالات وصناعة قطارات ومستلزمات السكك الحديدية وصناعة الأجهزة المنزلية وصناعة الأثاث، وذلك بهدف الاستفادة من التغييرات التى تشهدها سلاسل التوريد العالمية فى النفاذ إلى أسواق جديدة تتمتع فيها المنتجات المصرية بمزايا تنافسية.
وحول التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، قال مدبولى إنه فى ضوء العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تتبنى الحكومة المصرية استراتيجية وطنية للانتقال للاقتصاد الأخضر، حيث جارى العمل على تحقيق 30% من المشروعات الاستثمارية بخطط الدولة لمفاهيم الاستدامة البيئية والاقتصاد الأخضر، لترتفع النسبة لتصبح 100% فى الأعوام الثلاثة القادمة.
وأشار إلى التعاون بين وزارتى التخطيط والتنمية الاقتصادية والبيئة لوضع معايير للاستدامة البيئية التى تم اعتمادها بالفعل من جانب مجلس الوزراء فى أكتوبر الماضي، مضيفا أن مصر جاءت فى مقدمة الدول المنطقة التى أصدرت سندات خضراء فى السوق الدولية.
وأكد أن الدولة مدركة أنه لا تزال هناك تحديات كبيرة يجب مواجهتها، مع خلق فرصًا واعدة من تلك التحديات للعمل والتنمية فى المستقبل، متابعه أن من بين أهم التحديات، زيادة معدلات النمو السكانى.
أضاف أنه فى حالة ثبات معدّل النمو الحالى للسكان والبالغ 2.56% سيصل عدد سكان مصر إلى 132.3 مليون نسمة عام 2030 بما يعنى أن مصر تتزايد سنويًا بحجم دولة عدد سكانها 2.5 مليون نسمة، بما يزيد الاختلال بين معدل النمو السكانى وحجم الموارد، ويلتهم نتائج وثمار النمو المتحقق، بل ويهدد بمزيد من الضغوط والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، التى تؤدى إلى تراجع العائد من جهود التنمية، وبشكل أكثر تحديداً ما يتعلق بنصيب الفرد من الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات.
توطين إنتاج المستلزمات الطبية التى أثبتت أزمة كورونا ضرورة زيادة نسب الاكتفاء الذاتى منها
ولفت رئيس الوزراء إلى صعوبة مواجهة مشكلات البطالة والتفاوت فى المؤشرات التنموية بين الأقاليم والمحافظات المختلفةمع كل ذلك، لذا تعمل الدولة على إدارة القضية السكنية من خلال ضبط النمو السكاني، والارتقاء بالخصائص السكانية كالتعليم، والصحة، وفرص العمل، والتمكين الاقتصادي، والثقافة.
وأضاف أن الدولة تسعى لمواجهة هذا التحدى بالعمل على مساريين متوازيين يتمثلان فى وضع خطة شاملة لضبط معدلات النمو السكانى سيبدأ تنفيذها اعتبارًا من مطلع العام المقبل 2021 بالتعاون بين كافة الوزارات والجهات المعنية، تشمل هذه الخطة خمسة محاور رئيسية هى تحقيق التمكين الاقتصادي، والتدخل الخدمي، والتدخل الثقافى والإعلامى والتعليمي، والتحول الرقمي، والتدخل التشريعي، إضافة إلى العمل على تعظيم الاستفادة من الثروة البشرية الحالية من خلال تنفيذ حزمة مختلفة من برامج التدريب وبناء القدرات والتوسع فى الاستثمار فى البشر.
وتابع أنه من التحديات التى يتم مواجهتها كذلك توفير التمويل اللازم للتنمية خاصة فيما يتعلق بتنفيذ مشروعات البنية الأساسية، الأمر الذى يستوجب إلى جانب رفع كفاءة الانفاق العام وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وهو ما تعمل عليه الدولة من خلال التوسع فى تطبيق موازنة البرامج والأداء، مع العمل كذلك على تنويع مصادر التمويل من خلال خلق آليات للشراكة الفاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأكد مدبولى أن الدولة عازمة على المضى قدمًا لاستكمال ما تم بدأه من جهود للاصلاح والتنمية فى السنوات الاخيرة، مشيرا إلى أن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة يتطلب سنوات من العمل الجاد والمتواصل والجهد الدؤوب يتعاون فيه شركاء التنمية من القطاع الخاص ومجتمع مدنى مع الحكومة كافة.
وأوضح أن الدولة تلتزم بتنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الذى يعتبر المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي، مضيفا ان برنامج الإصلاحات الهيكلية هو برنامج وطنى نابع من داخل مؤسسات الدولة المصرية العامة والخاصة والمجتمع المدني، ويأتى فى إطار النهج التشاركى الذى تتبناه الدولة المصرية.
وأضاف أن الإصلاحات الهيكلية تستهدف تنويع هيكل الاقتصاد المصرى وزيادة مرونته، ورفع القدرة على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، فضلاً عن تحويل مسار الاقتصاد المصرى ليصبح اقتصاداً إنتاجياً يرتكز على المعرفة ويتمتع بقدرات تنافسية فى الاقتصاد العالمى.
كما تتضمن الأهداف الرئيسة لهذا البرنامج الحفاظ على مكتسبات المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى (مرحلة التثبيت) والاستمرار فى إتاحة فرص التشغيل اللائق والمُنتج، ورفع الطاقة الإنتاجية والتنافسية للاقتصاد خاصة الموجه للتصدير.
وأكد مدبولى أن محور تنويع الهيكل الإنتاجى للاقتصاد المصرى يعد هو المحور الرئيس لهذا البرنامج، ويستهدف تحسين الإنتاج المصرى وزيادة مرونة الاقتصاد وخلق فرص العمل اللائق والمنتج وزيادة فرص التصدير.
وتابع أنه تحقيقاً لذلك تم تحديد خمسة قطاعات ذات أولوية رئيسية على مستوى القطاعات الإنتاجية والخدمية، وهى الزراعة، والصناعة، والتشييد والبناء والسياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.