تشهد الاقتصادات منخفضة الديون، التى انضمت إلى الاتحاد الأوروبى بعد انهيار جدار برلين، تحولاً كبيراً، فقد تخلصت من نفورها من الاقتراض، الذي كان يميز كثيراً بين الوحدة الشيوعية السابقة للكتلة عقب الانهيار العالمي 2008 ووباء “كوفيد-19” فيما يزيد قليلاً على عقد زمني.
ويستعد الآن، جزء كبير من المنطقة، التي قادت النمو الاقتصادي للقارة لسنوات وتضم 5 أعضاء من منطقة اليورو بين صفوفها، لتحمل مستويات أعلى من المديونية لبعض الوقت.
وقالت كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، بياتا جافورسيك: “إذا كنا نواجه صدمة تحدث مرة كل 50 عاماً، فيجب أن نسدد هذه الديون على مدى 50 عاماً”، مضيفة: “لقد علمنا بعد الأزمة المالية العالمية أن التقشف المبكر سيأتي بنتائج عكسية”.
وفي الوقت الذي وضعت فيه العديد من الدول مخاوف الديون جانبا من أجل تعزيز جهود الإغاثة من تداعيات فيروس كورونا، فإن التحول في أوروبا الشرقية، حيث كان الاقتراض يعتبر بشكل تقليدي أمراً محرماً، ينطوي على أهمية أكبر، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء “بلومبرج”.
وأوضحت “بلومبرج”، أن التقشف الذي فرضه الديكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو في الثمانينيات من أجل سداد القروض الأجنبية، أدى إلى نقص الغذاء وانقطاع التيار الكهربائي، وهو الأمر الذي أدى بدوره في النهاية إلى اندلاع ثورة قضت بإعدامه.
وتخلفت روسيا عن سداد ديونها السيادية عام 1998، مما تسبب في انتشار البؤس، كما أن الاقتراض البولندي شهد تحديثاً فى وقته الفعلى على شاشة رقمية فى وارسو منذ عام 2010.
وساهم حذر دول أوروبا الشرقية في إبقاء الاقتراض عند معدلات أقل بكثير من نظيراتها في أوروبا الغربية، مما ساعد على تراجع عائدات السندات وارتفاع التصنيفات الائتمانية، ولكن أسوأ ركود شهدته المنطقة منذ 3 عقود زمنية يدفعها إلى إجراء تغييرات في مسارها.
ويمكن النظر إلى رومانيا، على سبيل المثال، إذ عانت الحكومة من الأزمة المالية العالمية، وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالى 12% تقريباً، وتضاعفت هذه النسبة بأكثر من 3 أضعاف فى السنوات التالية، حتى إنها لم تنخفض بشكل كبير قبل تفشي كوفيد-19.
ومن المتوقع ارتفاع نسبة الدين في رومانيا إلى 55% بحلول نهاية عام 2021، وهي نسبة يصعب خفضها في ظل تدابير مكافحة الأزمة، التي تشمل بنود الإنفاق الدائم مثل معاشات التقاعد المرتفعة.
ولن يتسنى لمثل هذا الاتجاه الحدوث في كل مكان، فعلى سبيل المثال هناك ألمانيا التي سددت لها جمهورية التشيك كثيراً مما اقترضته في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 وربما تحاول القيام بذلك مرة أخرى، وفيما يخص المجر، لطالما كانت ديونها مرتفعة.
لكن بولندا تستعد لخرق الحد الدستوري البالغ 60% للديون الحكومية، في حين تضاعفت نسبة ديون كرواتيا منذ عام 2008 وستقترب من 90% العام المقبل.
وحتى فى إستونيا، التي لطالما كانت تعانى من أدنى نسبة ديون في أوروبا، والتى تقل عن 10%، من المتوقع ارتفاع الاقتراض بمقدار يزيد عن 3 أضعاف بحلول عام 2024.
وذكرت “بلومبرج”، أن معدلات النمو في أوروبا الشرقية خلال العامين المقبلين تبدو أشبه بالوتيرة النموذجية البطيئة فى منطقة اليورو الأكثر تطوراً.
ويعتقد الرئيس التنفيذي لشركة “بي.أر.دي أسيت مانجمنت” في العاصمة الرومانية بوخارست، ميهاي بوركاريا، والذي يساعد في إدارة ما يعادل مليار دولار من الديون الأوروبية واستثمارات الأسهم، أن هذا الأمر قد يصعب إمكانية سداد القروض الجديدة على المنطقة.
وقال بوركاريا: “لدينا زيادة سريعة في مستويات الديون، بينما تبدو فكرة توجيه الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والتضخم للاتجاه التصاعدي أكثر صعوبة، على الأقل في المدى المتوسط”.
وأشار إلى أن التطورات الحالية لـ”كوفيد-19″ وعمليات الإغلاق التى تفرضها العديد من الدول ربما تؤدى إلى زيادة الديون بشكل أكبر وانخفاض مسارات الناتج المحلي الإجمالي فى المستقبل.