ميركل تحث الشركات على إيجاد أسواق جديدة مزدهرة وشفافة فى آسيا والمحيط الهادئ
غالبا ما يشار إلى جو كايسر، الرئيس التنفيذى لعملاق الصناعة الألمانية “سيمنز”، بأنه مدير تنفيذى سياسى فى ألمانيا، حيث تهدف تعليقاته العامة المتكررة حول القضايا المحلية والدولية إلى دفع المؤسسة السياسية فى البلاد فى اتجاهات معينة.
وفى أكتوبر 2020، انضم كايسر إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الاقتصاد والطاقة الألمانى بيتر ألتماير فى دعوة الأعمال التجارية لتجاوز الصين فى استراتيجيتهم الخاصة بالاستثمار فى آسيا، وبالتالى سلطت تعليقاته الضوء على التغييرات الجذرية فى السياسة الخارجية لألمانيا.
وكانت ألمانيا تستثمر بكثافة فى الصين على مدى عقود زمنية، ليس فيما يتعلق برأس المال فقط، بل أيضا فى المقامرة الفاشلة على مستقبل أكثر ليبرالية للتجارة والاستثمار فى الصين، ولكنها انضمت فى أغسطس إلى مجموعة من الدول التى أصدرت بحث يتعلق بمبادئ توجيهية بشأن المحيطين الهندى والهادئ.
وذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية أن كثيرا من التحليلات ركزت حتى الآن على الآثار المترتبة على توازن القوى الإقليمى، مع التحدث بشكل كبير عن كيفية تشدد ألمانيا المفاجئ مع الصين وربما تنضم حتى لتحالف مناهض للصين.
وسلطت المجلة الضوء على الأمر الذى غالبا ما يتم تجاهله وينبغى الإشارة إليه الآن، كما أنه الموضوع الرئيسى للورقة، وهو فكرة التنويع، أو بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بمنطقة المحيطين الهندى والهادئ، أدركت ألمانيا ضرورة إيجاد شركاء جدد ومجالات تعاون جديدة وسلاسل إمداد ووجهات استثمارية جديدة.
وترمز المبادئ التوجيهية الألمانية الجديدة للمحيطين الهندى والهادئ إلى تحول فى السياسة الخارجية والتجارية الألمانية التقليدية وسط إدراك متزايد أن برلين لم تعد قادرة على الاستفادة من الاقتصاد الصينى المزدهر دون التورط فى الديناميكيات الجيوسياسية، كما أنها إشارة مباشرة إلى اعتماد ألمانيا المفرط على السوق الصينية وسلاسل الإمداد أحادية الجانب.
وتعتبر الصين أكبر مصدر للواردات الألمانية وأهم مورد غير أوروبى لها وثالث أكبر سوق تصدير لها، ولكن برلين، الأكثر اندماجا فى سلاسل الإمداد العالمية مقارنة بمعظم الاقتصادات الصناعية الأخرى والتى عانت اضطرابات ونقص حاد فى سلسلة الإمداد نتيجة كوفيد-19، أصبحت أكثر إدراكا بضعف مثل هذه الاعتمادات ذات البعد الأحادى.
وفى هذا الصدد، حددت المستشارة الألمانية ميركل بدقة الشروط التى ترغب فى حث الشركات الألمانية على استكشافها، وهى أسواق ذات فرص متكافئة وشفافية وضمان قانونى وحماية الملكية الفكرية، فتلك المخاوف الأربعة هى المخاوف الرئيسية التى يعانى منها الاتحاد الأوروبى فيما يتعلق بالسوق الصينية.
ولذا، رغم أنه من الخطأ قول إن ألمانيا أصبحت أكثر تشددا بشأن الصين، فإن المطالبات بتنويع الشركاء التجاريين وسلاسل الإمداد تدور بشكل أكبر حول معالجة مشكلة الصين فى ألمانيا كما لم نرى من قبل، وبالتالى يمكن أن يكون لفظ التنويع تعبيرا جيدا للحد من اعتماد ألمانيا على الصين، بسبب الضغوط الدولية ونقاط الضعف الوطنية.
وبالطبع، على عكس بكين، تمتلك برلين قدرات محدودة لإجبار شركاتها على ترك عملياتها الصينية بين عشية وضحاها، ولن تفعل الشركات الألمانية ذلك، لكن التصريحات الحكومية، التى تفيد بأن ألمانيا ستواصل الجهود لتحسين أوضاع الشركات لتنويع أنشطتها بعيدا عن الصين، تشير إلى إمكانية إتباع نفس اتجاه اليابان من خلال تقديم حوافز مالية للشركات الألمانية لإعادة التصنيع إلى ألمانيا أو الانتقال خارج الصين على الأقل.
وفى هذا الصدد، أشار كايسر، المدير التنفيذى لـ”سيمنز”، بالفعل إلى إندونيسيا وفيتنام باعتبارهما أماكن جذابة للغاية للاستثمار، كما أنهما يتمتعان بظروف محلية من شأنها توفير عملية انتقال سلسة وسريعة نسبيا، بينما يعتقد وزير الاقتصاد ألتماير أن سنغافورة هى وجهة الجذب الأفضل.
وعززت إصلاحات الاستثمار المحلى فى فيتنام بالفعل اهتمام الشركات الألمانية هناك، ويمكن تسريع هذا الاتجاه من خلال اتفاقية التجارة الحرة التى أبرمت مؤخرا بين الاتحاد الأوروبى وفيتنام.
وذكرت المجلة اليابانية أن معظم الدول الأعضاء فى رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان” حققت نجاحا نسبيا فى إدارتها لأزمة كوفيد-19، وبالتالى فإن هذا الأمر من شأنه مساعدة اقتصاداتها على التعافى سريعا وتعزيز جاذبية الآسيان كوجهة استثمارية ألمانية.
وبالنسبة لجنوب شرق آسيا، تعتبر فكرة استغلال كل الظروف أمرا فى غاية الأهمية، فمن خلال الاستفادة من الزخم الذى حققته اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة للتجارة الحرة، التى أبرمت مؤخرا بين 15 دولة، يمكن للآسيان مواصلة تطوير مجتمعها الاقتصادى وتعزيز الظروف المحلية لجذب الاستثمارات، وبالتالى تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، مثل خلق فرص عمل والنمو.
ومثلما تبحث ألمانيا عن طرق تساعدها فى التحول لتصبح أقل اعتمادا على الصين، فإن استغلال رأس المال الألمانى سيحد أيضا من اعتماد رابطة الآسيان غير المتكافئ على الصين، حيث تعتبر العلاقات التجارية بين ألمانيا والآسيان مفيدة بالنسبة للجانبين بشكل لم يُرى من قبل.