عندما حدد لورانس سامرز، الأهمية المركزية للركود المطول على الاقتصاد العالمي في خطابه لصندوق النقد الدولي عام 2013، وضع الأستاذ في جامعة هارفارد يده على القوة الأكثر تحفيزاً للأسواق المالية في عقد 2010، ولاتزال كذلك حتى الآن.
وكان تفسير الأستاذ سامرز للمصطلح – الذي ابتكره ألفين هانسن في 1983 – يجادل بأن المدخرات المفرطة نسبة إلى الاستثمار المقصود، دفعت التوازن العالمي لأسعار الفائدة الحقيقية دون الصفر بحلول منتصف الألفينات، وهو ما يجعل من الصعب على السياسة النقدية تقديم المحفزات المطلوبة بعد الأزمة المالية العالمية.
وتراجعت أسعار الفائدة الحقيقية إلى حد ما، ولكن ليس بالقدر الكافي لإحباط النمو المتعثر، لذلك انخفض التضخم دون المستويات المستهدفة للبنك المركزي عند أقل قليلاً من 2% خصوصاً في اليابان ومنطقة اليورو، وواصلت العائدات الاسمية والحقيقية للسندات الهبوط في العام المتقدم، ووصلت إلى الحدود الفعالة المتدنية في العديد من السندات.
وفي ظل تجاوز الطلب على أوراق الدخل الثابت “الآمنة”، المعروض، فإن البحث اليائس عن العائد توجه إلى ائتمان الشركات وديون الأسواق الناشئة ما تسبب في انخفاض الفارق في عائد الائتمان.
واستفادت الأسهم من نسبة الخصم الأقل من الأرباع المستقبلية الناتجة عن أسعار الفائدة الأقل الخالية من المخاطر، وتحدت الأسهم، النمو البطيء في الاتجاه وارتفعت إلى مستويات شاهقة.
وفي الوقت نفسه، استفادت الأرباح من النمو المنخفض في الأجور، وهو عرض آخر محتمل للركود المطول.
ومؤخراً، كتب الأستاذ في جامعة يال، روبرت شيلر، والذي حذر من فقاعات الأسهم والإسكان السابقة، أن عائدات السندات الأضعف تدعم التقييمات العالية للأسهم نسبة إلى الأرباح الماضية والمستقبلية، ووفقاً لوجهة النظر تلك، فلا توجد فقاعة أسهم واضحة في السوق بشكل عام هذه المرة.
واستفادت الأسهم من التغيرات التكنولوجية والهيكلية وخصوصاً شركات “فانج” وهي فيسبوك، وأبل، وأمازون، وجوجل، ونتفليكس، والتي تمتلك أفضل آفاق نمو للإيرادات على المدى البعيد، وبالتالي استفادت بالقدر الأكبر من أسعار الفائدة المنخفضة.
ومع ذلك، فإن التقييمات الحديثة لشركات النمو الجديدة تلك، والتي تعززت نتيجة ظواهر المضاربة مثل انفجار شركات الاستحواذ لأغراض خاصة – تبدو حقاً معرضة للغاية لمخاطر أي ارتفاع في العائد الحقيقي على السندات.
وحتى خلال الوباء، لعب الركود المطول دورا حيويا، وأصبحت الأسواق معتادة على مشتريات الأصول واسعة النطاق من قبل البنوك المركزية بجانب العجوزات المتزايدة في الموازنة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب بدون رؤية أي آثار سلبية، وبالتالي كانت الأسواق مستعدة لقبول الضخ الهائل للتدابير النقدية والمالية في 2020 برباطة جأش.
ومنذ عقود قليلة ماضية، عندما كانت المدخرات العالمية قليلة، لم يكن هذا ليكون الحال، وإذا تفشى وباء خلال الفترة التضخمية في سبعينات القرن الماضي كان ذلك ليرفع أسعار الفائدة ويجعل السياسة التوسعية أصعب بكثير.
فهل من المبالغة أن نقول إن جميع المستثمرين الآن تؤيد نظرية الركود المطول؟ ولكن ماذا بشأن المستقبل؟.
توحي أحدث أفكار سامرز، وجايسون فيرمان وغيرهما من الأكاديميين المناصرين للنظرية، أن نفس القوى طويلة الأجل التي هيمنت في العقود الماضية ستعاود الظهور مجدداً بعد الوباء.
ويرفضون فكرة، أن القوى الهيكلية مثل تخمة المدخرات العالمية، والشيخوخة السكانية وعدم المساواة في الدخل، ستنعكس بالقدر الكافي لإنهاء هذه الملحمة في السنوات القليلة المقبلة.
كما أنهم لا يتوقعون، أن تعاود عقلية الإنفاق “الصاخبة في عشرينات القرن الماضي” الظهور بعد كوفيد 19، وهو ما يتماشى مع محاضرة حديثة ألقتها الاقتصادية هيلين ري، وجادلت أن الآثار طويلة الأجل للأزمة المالية العالمية والوباء ستجعل أسعار الفائدة منخفضة للغاية خلال العقد المقبل.
وستستأنف الأسواق المالية، على الأرجح، سلوكها المشهود قبل الوباء، وستواصل عائدات السندات القريبة من الصفر دعم أسواق الأسهم المزدهرة، ومع ذلك ثمة تحذير، فقد تصبح السياسة المالي كافية لتحفيز تحول في اتجاه أسعار الفائدة الحقيقية.
ومع اقتراب دخول الرئيس المنتخب جو بايدن للمكتب البيضاوي، فإن أصحاب نظرية الركود المطول يضغطون عليه لاقتناص فرصة نادرة ورفض التقشف وتعزيز المحفزات المالية بمقدار تريليون دولار من 2021 إلى 2023.
وجادل المعلقون مثل مارتن وولف، في أن إرث الديون العامة العالية وحده لن يؤدي إلى أزمات مالية أو تضخم، وبالتالي نظريا هناك مجال كبير للتوسع المالي.
وثمة حاجة لخطة اقتصادية شاملة لإصلاح البنية التحتية وتحسين التغير المناخي وتقليص عدم المساواة، ولكن ما هو جيد للاقتصاد العالمي لا يكون بالضرورة جيد لأسعار الأصول، وقد يؤدي الضخ المالي لمحفزات تعادل عدة نقاط من الناتج المحلي الإجمالى إلى بدء عكس الركود المطول، وهو ما قد يرفع أسعار الفائدة على المدى البعيد، وبالتالي يعيق السوق الصاعدة في الأسهم، لذا يتعين على المستثمرين الحذر مما يتمنوه.
بقلم: جايفن ديفيس، رئيس مجلس إدارة “فولكروم” لإدارة الأصول.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”