ربما بلغت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، الآن، أدنى مستوياتها منذ تطبيعها في عام 1979، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتمويل، نجد أن المنافسة لا تشكل سوى جزء من القصة.
وبينما تسعى حكومة الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات مالية على الصين، تصطف الشركات المالية الأمريكية لممارسة مزيد من الأعمال هناك.. والصين ترحب بها بسعادة غامرة.
وتساءل جورج مانجنوس، الباحث في جامعة أوكسفورد، فى مقال له على موقع “بروجكت سينديكيت”، إذا كان هذا الانفصال سيستمر في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن؟
على مدار السنوات الأربع الأخيرة، كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، تستخدم نفوذها المالي في صِـدامها مع الصين.
على سبيل المثال، اتخذت إجراءات لمنع خطط معاشات التقاعد الحكومية من الاستثمار في الأسهم الصينية، وفرضت عقوبات ضد مسئولين صينيين في إقليم شينجيانج (بسبب انتهاكات حقوق الإنسان) وفي هونج كونج (بسبب تطبيق الحكومة الصينية على البر الرئيسي لتشريع صارم في ما يتصل بالأمن الوطني).
كما وقّـع ترامب مؤخراً على أمر تنفيذي يقضي بحظر الاستثمارات من قـبـل المقيمين في الولايات المتحدة في 31 شركة صينية، يُعـتقـد أنها تساعد في تحديث جيش التحرير الشعبي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وَقَّـعَ على قانون محاسبة الشركات الأجنبية، الذي يلزم الشركات المتداولة في البورصة بالامتثال لقواعد التدقيق المعمول بها في الولايات المتحدة في غضون 3 سنوات أو تـشطـب.
يهدف قانون محاسبة الشركات الأجنبية إلى تعزيز شفافية التقارير المالية وحماية المستثمرين، وخصوصاً من خلال التحقق، مما إذا كانت الشركات خاضعة لسيطرة حكومات بلدانها.
ورغم أنه ينطبق على جميع الشركات الأجنبية المدرجة في البورصات الأمريكية وتبيع الأوراق المالية للمقيمين في الولايات المتحدة، فمن الواضح أنه موجه إلى الشركات الصينية، إذ توجد 217 شركة صينية مدرجة في الولايات المتحدة يتجاوز مجموع رأسمالها السوقي 2 تريليون دولار أمريكى لا تسمح بإجراء مراجعات أو تدقيقات أجنبية لأسباب تتعلق بـ”الأمن الوطني”.
وفي غياب حل بديل، ربما يضطر عدد كبير من الشركات الصينية إلى البحث عن مكان آخر لزيادة رأس المال في غضون 3 سنوات، وبفضل مكانة الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، فإن الخطوة التالية قد تتمثل في فرض قيود أميركية على قدرة الصين على الوصول إلى المدفوعات بالدولار، وأنظمة المقاصة والحفظ، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على التجارة وأسواق رأس المال وسلاسل التوريد في الصين.
ومع ذلك، وحتى مع تقدم الانفصال المالي الرسمي، فإن العكس هو ما يحدث على المستوى الخاص، ذلك أن الشركات المالية الأمريكية وغيرها تعمل ــ بمباركة الصين ــ على بناء أعمال إدارة الأصول، والأوراق المالية، والتأمين على الحياة، والتكنولوجيا المالية، والحفظ في السوق الصينية. منذ العام الفائت، حصلت عِـدة شركات مالية أجنبية (مثل Allianz، وHSBC، وStandard Chartered) ومجموعة كبيرة من الكيانات الأميركية (بما في ذلك BlackRock، وBridgewater Associates، وCitibank، وGoldman Sachs، وJP Morgan، وMorgan Stanley، وVanguard) على الإذن أو التراخيص من الصين لتوسيع عملياتها المحلية.
وأدرك المسئولون الصينيون، أن الشركات المالية الأجنبية تقدم رأس المال، والتمويل بالدولار الأمريكي، والإبداع، وأفضل الممارسات للأسواق المالية في الصين، وخاصة الخدمات المصرفية الاستثمارية، حيث الخبرة المحلية غير متطورة نسبياً.
والغريب في الأمر أن هذه “الواردات” تحظى بتقدير خاص إذ ساعدت الصين على أن تصبح أكثر اعتمادا على ذاتها بطرق أخر على سبيل المثال، في التكنولوجيا والوساطة الرأسمالية. الأمر ببساطة أن الصين ترحب بالشركات الأجنبية، حتى تتمكن من الصمود بشكل أفضل في ظل الانفصال عن الولايات المتحدة.
وفي سبيل هذه الغاية، وكجزء من المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، أزالت الصين القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للأوراق المالية، وإدارة الأموال، وشركات التأمين على الحياة، حتى رغم أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تآكل هيمنة الكيانات المحلية على السوق (ضمن حدود مُـدارة بعناية).
كانت الصين تعمل أيضا على اجتذاب مزيد من رؤوس أموال المحافظ الأجنبية، من خلال إدراج الأسهم والسندات الصينية في المؤشرات القياسية العالمية، والترويج لخطط “الاتصال”، التي تزيد من قدرة المستثمرين الأجانب على الوصول إلى أسواق رأس المال الصينية، على سبيل المثال.
مع ذلك، لاتزال الشركات المالية الأمريكية التي تسعى إلى تعميق مشاركتها في الأسواق الصينية، تواجه حواجز عالية، بما في ذلك نقاط الضعف الجهازية التي تعيب عمليات الإدارة، والمحاسبة والتصنيف الائتماني، فضلاً عن المخاطر السياسية والتنظيمية وتلك المرتبطة بالبيانات.
وهذا يفسر جزئيا “لماذا؟”، رغم أن الحيازات الأجنبية من الأسهم والسندات والقروض المقومة بالرنمينبي تضاعفت إلى ما يقرب من 7 تريليون يوان صيني (1.1 تريليون دولار) منذ عام 2018، كان الارتفاع متماشياً مع ارتفاع إجمالي أصول النظام المالية.
على أى حال، هذه أمور تهم حاملي الأسهم، والمستثمرين، والدائنين، وعلى المستوى السياسي، تتلخص المسألة الرئيسية فيما إذا كان من الواجب عكس سياسات ترمب، أو الحفاظ عليها، أو البناء عليها للمضي قدما على طريق الانفصال.
إذا عملت إدارة بايدن القادمة والكونجرس الجديد، على رسم خطوط جديدة للتكنولوجيا، والتجارة، والوصول إلى الأسواق، والمعايير، والقيم السياسية، فإن حماس الشركات المالية الأميركية للصين سيصبح مثارا للجدال، وخاصة في ضوء خطط بايدن الرامية إلى العمل عن كثب بدرجة أكبر مع حلفاء الولايات المتحدة في مواجهة الصين، بطبيعة الحال، ستنظر الصين بقلق بالغ إلى مثل هذه الإجراءات، تلك هي المسألة وقد لا تكون الخطوة الخاطئة.
في الواقع، لا يوجد سبب وجيه قد يضطر بايدن إلى التحرك بسرعة لتمهيد الطريق إلى الصين أمام الشركات المالية الأميركية الخاصة، ففي نهاية المطاف، قد يستنزف هذا النهج رأسماله السياسي المحدود، في حين لا يعود بأي نفع تقريباً على الداخل، من حيث التعافي الاقتصادي، وتشغيل العمالة، والإبداع.
وبدلا من التخلي عن الدراية المالية الأمريكية، يجب على بايدن أن يستخدمها كأداة نفوذ، من أجل محاولة تحقيق أهداف أخرى أكثر إلحاحاً، مثل حمل الصين على فتح سوق الخدمات لديها وربما الموافقة على إدخال تغييرات على سياساتها الصناعية.