غالباً ما تتردد أصداء الماضي حول الأسواق، لتخبرنا عما يحمله لنا المستقبل.
لذا، بالنسبة لمراقبي السوق طويلي الأمد، فمن الصعب مع دخولنا أكثر في 2021 عدم رؤية أوجه الشبه بين الأجزاء المزبدة في قطاع التكنولوجيا وطفرة “الدوت كوم”.
ولا تزال الأحوال الحالية بعيدة قليلاً عن جنون 1999 عندما ارتفع مؤشر “ناسداك” المثقل بشركات التكنولوجيا بنسبة 90% قبل انهياره الكبير عام 2000.
ولكن ثمة اتجاهات ليست قليلة، تتشابه مع تلك في أوقات الفقاعات.
ففي العامين الماضيين وحدهما، عاد مؤشر “ناسداك المركب” لتسجيل مكاسب سنوية في نطاق 40%.
وقد لا يكون شراء مستثمري التجزئة، لأسهم التكنولوجيا، مماثلاً للمستويات الجنونية أثناء طفرة الدوت كوم.
ومع ذلك، فإن الارتفاع المسبب للدوار لشركات مثل “تسلا” يثبت أن العديد من المستثمرين راغبون في وضع شكوكهم بشأن نماذج الأعمال جانباً، للمراهنة على وعود الابتكار في الطاقة والرعاية الصحية والروبوتات والذكاء الاصطناعى.
وأحد الأمثلة على هذا الحماس، هو الارتفاع الاستثنائي لصناديق مؤشرات شركة “آرك إنفستمنت” التي تركز على شركات التكنولوجيا الواعدة التي قد تغير نماذج الأعمال في قطاعاتها.
وفي ظل الاستثمارات الكبيرة في أسهم منها “تسلا”، حقق صندوق المؤشرات الأساسي لـ”آرك انوفيشين”، تحت قيادة كاثى وود، مكاسب هائلة عند 150% في 2020.
أما صندوق “آرك جينوميك ريفولوشن” فصعد بنسبة 180% خلال الفترة نفسها. واكتسب كلا الصندوقين نسبة 17% في 2021.
ونتيجة التدفقات الداخلة الضخمة، تعد شركة “آرك” حالياً واحدة من أكبر 10 مصدرين لصناديق المؤشرات من حيث الحجم وتدير أصولاً بقيمة 41 مليار دولار، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرج”.
وأثارت التدفقات الداخلة مقارنات مع صندوق “جانوس 20” الشهير الذي قاد طفرة الدوت كوم.
وفي أوائل عام 2000، في ذروة الفقاعة، كانت نصف الأموال الداخلة للصناديق الاستثمارية من قبل المستثمرين تذهب إلى مجموعة “جانوس”، قبل أن تعاني بحدة في فقاعة الدوت كوم، وصرح سكوت شويلزل، مدير سابق في صندوق “جانوس 20″، لوكالة أنباء “بلومبرج” مؤخراً بأن نهج “آرك” مشابها لنهجه في أوائل الألفية.
وتعد تقييمات “ناسداك” حالياً أقل تضخماً مما كانت في عام 2000، ولكن الدروس الصعبة التي تلقنها فترات الشراء الجنوني هي أن دفع علاوة مقابل الوعود المستقبلية للتكنولوجيا تتركك تعاني ندم الشراء لفترة طويلة.
وثمة بعض الاختلافات المهمة بين أسهم التكنولوجيا اليوم وتلك في 2000، فالجدد أكثر تركيزاً على البرمجيات والأرباح الثابتة من نماذج الاشتراكات، كما أنهم استفادوا من التحول الواسع نحو الخدمات الرقمية نتيجة الوباء.
وعلاوة على ذلك، يعد نمو أرباحها قوياً ومستمراً – خاصة في حالات مثل “أمازون”، و”فيسبوك”، و”مايكروسوفت”، و”ألفابيت” – كما ينظر إليها كاستثمارات عالية الجودة.
وازدهرت تلك الشركات على خلفية التراجع الشديد في أسعار الفائدة طويلة الأجل، وهو ما عزز القيمة النسبية لتدفقاتهم النقدية المستقبلية سريعة النمو.
وتنتهي فترات جنون الاستثمار المدفوعة بالأموال الرخيصة عادة عندما تصبح الأحوال المالية أكثر تشدداً من خلال رفع أسعار الفائدة، وبالتالي يعود تركيز المستثمرين مجدداً إلى توقيت سحب الدعم النقدي.
فبعد تأخرها عن السوق الأوسع خلال الربع الأخير من 2020، شهدت أسهم التكنولوجيا تراجعا في أسعار الأسهم حتى الآن العام الجاري مع صعود عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات فوق 1%.
وسلط المستثمرون ومنهم جيفري جوندلاش من “دابل لاين كابيتال”، الضوء على علامات تحذير مبكرة على معاناة “ناسداك 100” ليبقى فوق ذروته نسبة إلى مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” مقارنة بعام 2000.
ويعد سيناريو الفائدة المثالي لقطاع التكنولوجيا هو أن يدير الاحتياطي الفيدرالي ارتفاعاً بطيئاً في عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات مع انتعاش الاقتصاد، وسيكون الهدف من ذلك هو تفريغ الفقاعات من مناطق المضاربة في حين تحد الأرباح القوية لشركات التكنولوجيا الأخرى ضغوط البيع في أماكن أخرى.
وقال كبير المحللين الاستراتيجيين في “بي سي إيه ريسيرش”، دافال جوشي:”يعد تخفيف جنون الشراء في المجالات التكنولوجية والحفاظ في نفس الوقت على سلامة سوق الأسهم الأوسع سيناريو مثالي للفيدرالى.. ولكن التحكم في النتائج يكون عادة صعباً للغاية خاصة عندما تكون الأسواق هشة”.
بقلم: مايكل ماكينزي، محرر الاستثمار لدى صحيفة “فاينانشال تايمز”.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.