حذر خبراء الاقتصاد من أن أمريكا اللاتينية تعتبر المنطقة الأكثر تضرراً من تفشى جائحة فيروس كورونا المميت فى العالم؛ حيث يواجه اقتصادها تعافياً بطيئاً ومؤلماً، فى ظل تزايد خطر أن يؤدى تفاقم الفقر وعدم المساواة إلى اضطرابات سياسية.
وبحلول نهاية عام 2021، سيظل الناتج الاقتصادى للمنطقة أقل بنسبة %4.8 عن مستوى ما قبل الوباء، وهو أسوأ أداء فى العالم، بحسب توقعات صندوق النقد الدولى.
يعتقد كارلوس فيليبى جاراميلو، رئيس مجموعة البنك الدولى لشئون منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى، أنه لن تتم استعادة مستوى الناتج المحلى الإجمالى المسجل قبل الوباء حتى 2023 على الأقل.
وقال جاراميلو فى تصريحات لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية: «كان عام 2020 كارثياً ونحن قلقون للغاية بشأن ما يعنيه ذلك بالنسبة للفقر وعدم المساواة»، مضيفاً: «يجب أن يكون 2021 أفضل لكنه سيكون مجرد انتعاش تدريجى للغاية، ولا أعتقد أننا نتوقع انتعاشاً سريعاً فى أى مكان».
ويعتبر الانتعاش البطىء إلى حد كبير مشكلة من صُنع أمريكا اللاتينية؛ نظراً إلى أن الديناميكيات الاقتصادية العالمية تعتبر مواتية فى الوقت الذى تستمر فيه البنوك المركزية للاقتصادات المتقدمة فى ضخ كميات ضخمة من التحفيز فى الأسواق المالية، كما أن التعافى السريع للصين يعزز أسعار السلع الأساسية.
وجدير بالذكر، أن أمريكا اللاتينية كانت بالفعل المنطقة الأبطأ نمواً فى العالم قبل وباء «كورونا».
وحدد الاقتصاديون 3 تحديات رئيسية يمكن أن يواجهها اقتصاد المنطقة فى العام الحالى، وهى استمرار تفشى الوباء والقيود المفروضة على مقدار التحفيز المالى الذى يمكن أن تتحمله المنطقة، بالإضافة إلى الافتقار للدعم السياسى للإصلاحات الهيكلية التى قد تساعد فى تعزيز النمو.
وتعتبر أمريكا اللاتينية موطناً لما يزيد قليلاً على %8 من سكان العالم، لكنها سجلت أكثر من ربع إجمالى الوفيات الناجمة عن فيروس «كورونا» على مستوى العالم، على الرغم تطبيق دول مثل بيرو والأرجنتين إجراءات الإغلاق التى تسببت بدورها فى شل اقتصاداتها.
ومع ذلك، هناك فرصة ضئيلة فى طرح اللقاحات بسرعة كافية للمساعدة فى تعزيز النمو خلال العام الحالى.
وتعد تشيلى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى حصلت على لقاحات تكفى لتطعيم سكانها بالكامل حتى الآن، فى حين أن معظم الدول لن تستطيع إخضاع سوى أقلية صغيرة فقط من سكانها للتطعيم فى عام 2021.
وقال ماركوس كاسارين، كبير الاقتصاديين المعنيين بشئون أمريكا اللاتينية لدى «أكسفورد إيكونوميكس»، إن بعض الحكومات فى المنطقة تخلت فى الواقع عن محاولة كبح تفشى الوباء، حتى لو لم تكن مستعدة للاعتراف بذلك علناً.
أضاف: «الانتعاش الاقتصادى جار والافتراض الذى توصلنا إليه هو أن التنقل الحضرى يجب أن يعود إلى طبيعته بحلول شهر سبتمبر المقبل».
لكن الأداء الاقتصادى الضعيف لأمريكا اللاتينية فى الأعوام الأخيرة جعلها تعانى أعلى متوسط للدين الحكومى بالنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى فى العالم النامى، ما أدى إلى تقييد مجال التحفيز المالى، كما يحذر الاقتصاديون.
وفى البرازيل، أكبر اقتصاد فى البلاد، أنفق رئيس البلاد جايير بولسونارو ببذخ على مساعدات الطوارئ للفقراء خلال العام الماضى، وهذا عزز من شعبيته لكنه زاد من عجز موازنة الدولة، ما أثار مخاوف المستثمرين بشأن استدامة ماليتها العامة.
ومع تجاوز الدين بالفعل حاجز الـ%90 من الناتج المحلى الإجمالى وأعلى إجمالى ديون لأى سوق ناشئة خارج الصين، تواجه البرازيل خياراً غير سار وهو تجنب التحفيز وإيقاف الانتعاش أو الاستمرار فى الإنفاق والمخاطرة بتمرد المستثمرين، حيث قرر بولسونارو فى الوقت الراهن عدم اتخاذ مزيد من الإجراءات التحفيزية، مدعياً أن بلاده مفلسة وليس هناك ما يمكن فعله.
وفى الوقت نفسه، لا يزال الكونجرس يواجه طريقاً مسدوداً بشأن الإصلاحات الهيكلية لإصلاح قانون الضرائب الخاص بالبرازيل وكبح جماح الإنفاق العام.
وبافتراض عدم وجود إنفاق إضافى، يتوقع معظم المتنبئين أن يكون تعافى البرازيل من بين الأضعف فى المنطقة، مع نمو يبلغ %3.2 فقط هذا العام بعد انخفاض بنسبة %4.9 العام الماضى.
وفى المكسيك، ثانى أكبر اقتصاد فى المنطقة، تنصب مخاوف المستثمرين على البخل وليس الإسراف، ورفض الرئيس المكسيكى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور السماح بإنفاق إضافى كبير، وأدى ذلك إلى ركود أسوأ بكثير فى العام الماضى، مع انخفاض الناتج المحلى الإجمالى بنحو %9، لكنه ترك البلاد مع عجز أقل بكثير فى الميزانية للتمويل.
ومع ذلك، حذر أليخو زيروونكو، كبير مسئولى الاستثمار لمنطقة أمريكا اللاتينية فى «يو بى إس لإدارة الثروات»، من أن تفضيل لوبيز أوبرادور لتدخل الدولة فى الاقتصاد وعداءه المتصور للقطاع الخاص من المرجح أن يؤدى إلى تدهور تدريجى لمناخ الأعمال.
وفى الوقت نفسه، أعادت الدول المنبوذة من حيث ديون المنطقة، وهى الأرجنتين والإكوادور، هيكلة الاقتراض الخارجى، لكنهما تعانيان من التوترات السياسية المحلية.
ويعتقد كلاوديو إيريجوين، كبير الاقتصاديين فيما يتعلق بشئون أمريكا اللاتينية لدى «بنك أوف أمريكا»، أن الأرجنتين قد تستفيد من الناحية الاقتصادية هذا العام إذا توصلت إلى صفقة ناجحة مع صندوق النقد الدولى.
وفى الإكوادور، تتصاعد معارضة التقشف وقد تعيد الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها الشهر المقبل اليسارى الشعبوى أندريس أراوز، الذى تعهد بتمزيق اتفاقية صندوق النقد الدولى.
وتواجه بيرو وتشيلى أيضاً انتخابات هذا العام مع تصاعد المخاطر السياسية. ويتمثل الأمل الرئيسى لأمريكا اللاتينية فى معالجة أوجه التفاوت القديمة فى الثروات، حيث تصف اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية التابعة للأمم المتحدة المنطقة بأنها الأكثر تفاوتاً فى العالم.