“سيتي جروب”: التعافي يسير بمعدل أسرع مما يتصور الناس.. وسحب المخزون أكبر
تشهد أسعار البترول الخام تحولا ملحوظا بعد مرور عام واحد من اندلاع كارثة كورونا، التي أنهكت أسواق البترول العالمية والاقتصادات، بداية من المدن الصينية المهجورة إلى توقف حركات الطيران.
وكانت الأزمة التي أحدثها الفيروس، هي أسوأ أزمة شهدتها صناعة البترول على الإطلاق، إذ انهار الطلب على الوقود بمقدار الخمس، وتراجعت الأسعار إلى ما دون الصفر، وقاتل المنتجون بضراوة بحثا عن عملاء، وتدفق فائض بأكثر من مليار برميل إلى صهاريج التخزين حول العالم، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ومع ذلك، كان خروج البترول من تلك الأزمة صارخا. فقد ارتفعت العقود الآجلة إلى أعلى مستوياتها في عام واحد فوق 60 دولارا للبرميل، خلال تداولات يوم الإثنين في العاصمة البريطانية لندن، مع تجاوز الاستهلاك الصيني مستويات ما قبل الوباء.
كما أن طرح اللقاح أعاد الثقة، وحافظت منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفاؤها “أوبك بلس” على قيود الإمدادات الصارمة.
ومع استمرار تضرر الاقتصادات الغربية بسبب ارتفاع الإصابات بالوباء وعمليات الإغلاق، لا يزال الطلب على وقود النقل، خصوصا في مجال الطيران، منخفضا.. لكنه مرتفع على المنتجات البترولية التي تلبي احتياجات مجتمع يعمل ويستهلك في المنزل.
وقال رئيس أبحاث السلع في “سيتي جروب”، إد مورس: “التعافي يسير بمعدل أسرع مما يتصور الناس، وبالتأكيد سيكون تعافي الطلب ممتازا، وسحب المخزون أكبر بكثير مما يُعتقد”.
ويعتبر الانعكاس المفاجئ طوق نجاة لمجموعة المنتجين، فهو يقدم لشركات، مثل “إكسون موبيل” و”بريتش بتروليوم”، بصيص أمل بعد عام شاق. كما أنه يمثل شريان حياة بالنسبة لدول مثل العراق وأنجولا، التي سعت للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي لتهدئة الأزمات الاقتصادية، وحتى المصدرين الأكثر ثراء مثل السعودية يعتبرون الإيرادات الإضافية ضرورية.
إغراق المخزونات
تقدر وكالة الطاقة الدولية، تراجع المخزونات العالمية بنحو 300 مليون برميل منذ أن أجرت”أوبك بلس” تخفيضات كبيرة في الإنتاج في مايو.
ويتوقع الكارتل، أنه سيستنفد 82 مليون برميل أخرى في الربع الأول من 2021، مما يدفع المخزونات في الدول الصناعية إلى الانخفاض لمتوسط الأعوام الخمسة بحلول أغسطس.
وتؤثر المخزونات المتضخمة، على أسعار البترول.. لذا فإن التخلص من الثقل قد يمهد الطريق لمزيد من الانتعاش.
وقال الرئيس المشارك لتجارة البترول في مجموعة ترافيجورا في جنيف، بن لوكوك، إن أسهم شركات البترول أصبحت جذابة، كما أن الأسعار تعافت بشكل جيد ويمكن أن يكون أدائها جديا في فصل الصيف سواء في البترول الخام أو في المنتجات البترولية.
الانتعاش الآسيوي
ذكرت “بلومبرج” أن أحد القوى الدافعة لهذا التحول السريع هي انتعاش استهلاك البترول، خاصة في آسيا.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “رويال داتش شل”، بن فان بيردن، في مقابلة تلفزيونية مع “بلومبرج”: “لم تحقق الصين انتعاشا على شكل حرف V فحسب، بل عادت في الواقع إلى تحقيق نمو كبير.. لذا نحن متفائلون للغاية بشأن ما نراه في الصين”.
صناديق كبيرة
ومن المؤكد أن مرونة آسيا لا تحتل سوى جزء من سبب عودة البترول. لكن الأمر يتم بشكل أكبر من خلال مصادر قوة أقل وضوحا، والتي يمكن تلخيصها بالشحن والمواد الكيميائية والبرودة.
ويقوم المستهلكون بتحويل الإنفاق من العطلات ووجبات المطاعم نحو تسليم البضائع المادية.. الأمر الذي يستلزم شحن صناديق وحمولات، وبالتالي تحفيز الطلب على الديزل لتشغيل السفن والشاحنات وقطارات الشحن.
وقالت “يونايتد بارسل سيرفس”، وهي شركة شحن أكبر عملائها هي “أمازون”، إنها لاحظت ذروة موسمية في الطلبيات لم يسبق لها مثيل تقريبا، مما ساهم في بلوغ أرباح صناعة الديزل في الولايات المتحدة أعلى مستوياتها في 9 أشهر عند حوالي 15 دولارا للبرميل.
وساهم ازدهار التجارة الإلكترونية في رفع معدلات الهيدروكربونات الأخرى، حيث يساهم الطلب على التعبئة والتغليف اللازمة لجميع عمليات التسليم في زيادة الطلب على النافتا المستخدم في البلاستيك، كما أبلغت شركات الكيماويات العملاقة، منها “داو” و “باسف”، عن أرباح وفيرة وسط ازدهار البلاستيك، في حين لاحظت مصافي التكرير أيضا ظهور طلب قوي.
تجميد كبير
عزز الطقس البارد في فصل الشتاء، الطلب العالمي على البترول بمقدار مليون برميل يوميا، إذ أدى الارتفاع الشديد في أسعار الغاز الطبيعي إلى التحول نحو مولدات الديزل من أجل الطاقة، كما أنه ساهم في زيادة شراء البروبان المستخدم في السخانات التي أصبحت منتشرة في الخارج، بحسب ما ذكرته مجموعة “جولدمان ساكس”.
ومن نواح كثيرة، يتعافى السوق، لكنه لم يتعافى تماما.
وقال فان بيردن، من “شل”، إن استهلاك البترول العالمي لا يزال منخفضا بنسبة تتراوح بين 5% إلى 7% عن العام الماضي، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الانخفاض المستمر في الطلب على وقود الطائرات، مع انخفاض حركة المسافرين جوا بنسبة 70% عن مستويات العام الماضي، وفقا لاتحاد النقل الجوي الدولي.
أوبك بلس
ومع ذلك، تم تعويض هذه المخاوف إلى حد كبير من خلال العامل الكبير الآخر في إعادة تأهيل السوق، وهو التخفيضات الهائلة في العرض التي قام بها تحالف المنتجين المكون من 23 دولة والمعروف باسم “أوبك بلس”.
وأدت استجابة الكارتل لفيروس كورونا، إلى تفاقم أزمة سوق البترول، إذ شنت السعودية وروسيا، في مارس الماضي، حرب أسعار مريعة لعدة أسابيع.. لكن عندما أصبح عبء الطلب واضحا، أعادتا توحيد الجهود وخفضتا الإنتاج بمقدار غير مسبوق قدره 10 ملايين برميل يوميا، أو حوالي 10% من الإمدادات العالمية.
وأعادت “أوبك بلس” جزءا من ذلك البترول إلى السوق في أغسطس، لكنها تركز الآن بوضوح على تسريع القضاء على فائض المخزون، لذا ستستمر المجموعة في تعطيل حوالي 7 ملايين برميل يوميا لمدة شهرين آخرين، قبل التفكير فيما إذا كان سيتم تخفيف التخفيضات تدريجيا.