كان عام 2017، الذي افتتح فيه الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون”، جيف بيزوس، مزرعة رياح “أمازون ويند فارم تكساس”، بمثابة نقطة تحول لعملاق التجزئة الأمريكي “أمازون”، مما يعكس ارتفاع الاستثمارات في الطاقة المتجددة.
ولم تكن “أمازون” آنذاك، ذات وزن ثقيل في عالم الطاقة الخضراء.. لكن الأمر تغير في العام الماضي، إذ أصبحت أكبر صانع لصفقات الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، وكذلك على مستوى العالم.
ولم يقتصر الأمر على “أمازون”، بل أصبحت شركات التكنولوجيا، بما في ذلك “جوجل” و”مايكروسوفت” و”فيسبوك”، أكبر مشتري للطاقة النظيفة في العالم.
ويقول مدير العملاء الاستراتيجيين العالميين لدى شركة “إيبردرولا”، إدواردو إنسونزا : “تأثير شركات التكنولوجيا ضخم، فهي تتمتع بقوة سوقية كبيرة”.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن شركات التكنولوجيا تعد من كبار المستهلكين للطاقة الكهربائية، بسبب مراكز البيانات الخاصة بها، والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة للحفاظ على برودة الخوادم.
ويزيد إجمالي استخدام الطاقة لكل من “أمازون” و”جوجل” و”مايكروسوفت” و”فيسبوك” و”أبل” عن 45 تيراوات / الساعة سنوياً، أي ما يعادل نيوزيلندا فقط، لكن هذا الحجم سيزداد في ظل تطلب ظهور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي المزيد من القوة الحاسوبية، وبجانب هذا الطلب، تبنت شركات التكنولوجيا بعضاً من أهداف المناخ الأكثر طموحاً في العالم.
فرغم مواجهة كبار شركات التكنولوجيا، تدقيقاً سياسياً متزايداً بشأن قوتها الاقتصادية المتنامية، بدأت تلك الشركات في تحقيق شيء يتناغم مع المبادئ السامية التي اعتنقتها ذات يوم. فعندما تصبح شركات صديقة للبيئة، فإنها تسرع أيضاً في تحول نظام الكهرباء بأكمله.
وغالباً ما يرجع سبب حدوث ذلك إلى عام 2010، عندما وقعت “جوجل” أول صفقة للطاقة النظيفة، والمعروفة أيضاً باسم “اتفاقية شراء الطاقة”، ويقول إنسونزا: “بمجرد بدء أحدهم الدخول إلى شىء جديد، يتبعه البقية، فهم ينظرون دائما إلى بعضهم البعض، ويمضون قدماً”.
ومن هذا المنطلق، أصبحت صفقات الطاقة النظيفة وأهداف المناخ الآن مصدراً للتنافس بين شركات التكنولوجيا، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على كوكب الأرض.
مسألة عاجلة
يعترف رئيس شركة “مايكروسوفت”، براد سميث، بوجود قدر من المنافسة بين شركات التكنولوجيا بشأن تعهداتها تجاه المناخ، وتعهدت “مايكروسوفت” بانبعاثات كربونية سالبة بحلول عام 2030، مما يعني أنها ستسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أكثر مما تبعثه سنوياً، ويمكن أن يتم ذلك بشكل جزئي باستخدام تقنية مثل التقاط الهواء المباشر، الذي يمتص ثاني أكسيد الكربون من السماء.
كما أنها تستخدم سعراً داخلياً للكربون يبلغ 15 دولاراً للطن وتحاسب كل فريق على انبعاثاته، مما يحفز الموظفين على استخدام كميات أقل، وتشهد “مايكروسوفت” منافسة وثيقة مع “جوجل” فيما يتعلق بالهدف الأكثر صعوبة. فقد تعهد محرك البحث الأمريكي بتشغيل جميع مراكز البيانات الخاصة بها على الكهرباء الخالية من الكربون، مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، على مدار 24 ساعة يومياً بحلول عام 2030.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة “جوجل”،سوندار بيتشاي، إن تشغيل مراكز بيانات خالية من الكربون يعد تعهدا هاما، مشيرا إلى أن حرائق غابات كاليفورنيا العام الماضي.
ووفقاً لتقرير حديث نشرته جامعة لانكستر ومنظمة “سمول وورلد كونسلتنج”، يمثل قطاع تكنولوجيا المعلومات 1.8% إلى 2.8% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وهذا هو تقريباً نفس الانبعاثات الصادرة عن قطاع الطيران.
تخضير الشبكة الكهربائية
مهما كانت الدوافع، فإن القوة الشرائية لكبار شركات التكنولوجيا كان لها بالفعل تأثير كبير على تشكيل تطوير الطاقة النظيفة، خاصة في الولايات المتحدة، فقد وصلت المنشآت الجديدة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى مستويات قياسية في الولايات المتحدة العام الماضي، رغم الدعم الفيدرالي المحدود للطاقة المتجددة خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “إديسون إنرجي”، أوديد رون، إن شركات التكنولوجيا قامت بتسريع سوق مصادر الطاقة المتجددة بشكل كبير، مضيفاً: “لو لم تتواجد شركات تكنولوجيا، هل كان سيحدث ذلك بأي حال؟ المحتمل أنه كان سيستغرق وقتاً أطول”، وفي حين أن شركات التكنولوجيا تسعى لتحقيق أهدافها الخضراء، بدأت بعض شبكات الطاقة ، مواجهة تحديات.
ففي المناطق التي يزداد فيها الطلب على الطاقة النظيفة من شركات التكنولوجيا، قد تضطر بعض الشركات التي تمتلك محطات طاقة تعمل بالغاز والفحم إلى إغلاقها في وقت أقرب مما كان متوقعاً، مما يتسبب في خسائر مالية.
وتقول بعض شركات التكنولوجيا إن مساعدة شبكات الطاقة على التحول للعمل بطاقة متجددة بالكامل هو أحد أهدافها، وقالت أماندا بيترسون كوريو، مفاوض الطاقة في مركز بيانات “جوجل”: “نريد أن نجعل الشبكة صديقة للبيئة للجميع”.
انبعاثات
مع استمرار نمو شركات التكنولوجيا، إذ ارتفعت قيمتها أثناء الوباء، سيتعين عليها مواجهة مدى توافق أعمالها الأساسية مع عالم منخفض الانبعاثات.
فقد أعرب بعض النشطاء عن قلقهم بشأن ثقافة الاستهلاك والراحة التي تعتبر أساسية لخدمات التوصيل السريع في “أمازون”.
وأشار آخرون بأصابع الاتهام إلى الطريقة التي حاز بها ناكري التغيرات المناخية المناخ على مكان على منصة “فيسبوك” لنشر وجهات نظرهم.
وثمة أمور مشتركة بين مناهج شركات التكنولوجيا في التعامل مع تغير المناخ، إحداها يتمثل في اعتقادها بأن تقنيات مثل الطاقة المتجددة والتقاط الهواء المباشر ستحل المشكلة، لكن هذه الأفكار لاقت هجوماً، خصوصاً أن تغيير السلوك البشري لا يقل أهمية عن إيجاد الحلول التقنية.