تعزيز حقوق السحب الخاصة أحد خيارات دعم القارة السمراء
يشبه وباء «كورونا»، ضيفا غير مرغوب فيه، ولا يمكن التنبؤ بمغادرته، لكن التكاليف تواصل الارتفاع وتثير التوتر.. لذا فإن العمل الجماعى مطلوب لحل المشكلة، خصوصا أن الوباء كشف أوجه قصور خطيرة فى أنظمة الصحة العامة العالمية، مما أدى إلى معدلات وفيات مرتفعة نسبيا.
ولم تكن أفريقيا استثناء، إذ استغرق الأمر 146 يوما لتسجل القارة السمراء أول 20 ألف حالة وفاة بفيروس كورونا.. لكن بحلول يناير من عام 2021، كانت تسجل نفس عدد الوفيات فى 26 يوما فقط.
وعادت العديد من الاقتصادات إلى حالات الإغلاق، كما أن التضخم آخذ فى الارتفاع، رغم أن البنك الدولى يتوقع أن ينحسر الوباء فى عامى 2021 و 2022، وتعزيز الاضطرابات المدنية للمزيج القابل للاشتعال بالفعل.
ولدى الولايات المتحدة، الفرصة لدعم جهود أفريقيا لمعالجة مشاكلها بطريقة تنقذ الأرواح وتحقق عائدا على الاستثمار، والمساعدة أيضا فى حل مشكلة المنافع العامة العالمية والقيام بعمل جيد فى الواقع.
وتحاول الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكى جو بايدن، السيطرة على الوباء، إذ اقترحت حزمة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار لدعم الاقتصاد الأمريكى، كما أن بايدن ألقى خطابا أمام قادة أفريقيا وعين خبيرا فى شئون أفريقيا فى الأمم المتحدة، وهى علامات تدل على شراكة أقوى، لكن القارة الآن بحاجة إلى دفعة لتعزيز اقتصادها.
فى عام 2020، أوقفت العديد من الدول الأفريقية، المدفوعات الضريبية المفروضة على الشركات، وقدمت مساعدات نقدية اجتماعية لمواطنيها تقدر نسبتها مجتمعة %2 من الناتج المحلى الإجمالى.وقد تلقت نحو 35 دولة إفرقية، دعما خارجيا من صندوق النقد الدولى، فى حين شاركت 31 دولة فى برامج تعليق سداد الديون، مما قد يوفر 9.2 مليار دولار حتى يونيو 2021.
وذكر السكرتيرة التنفيذية للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، فيرا سونجوى، فى مقال نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن الحدود الفاصلة لأفريقيا فى عام 2021 ستكون أرق مما كانت عليه قبل انتشار الوباء.
ومع استمرار الأزمة الصحية، تؤدى التداعيات الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة والجوع ومزيد من الاضطرابات أيضا.. وبالتالى ستكون هناك حاجة إلى استجابة طموحة ومتباينة، جنبا إلى جنب مع مبادرة تعليق الديون، التى أطلقتها مجموعة العشرين، والتى ينبغى تمديدها حتى عام 2022، إذ أن إطار عمل هذه المبادرة يعد بداية جيدة بالنسبة للقارة.
وفى ظل دعم الكونجرس الأمريكى لتطبيق حزمة تحفيز داخل البلاد، يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة فعل الشيء نفسه بالنسبة لأفريقيا وبقية العالم النامى، من خلال دعم إنشاء سيولة جديدة بقيمة 500 مليار دولار للاقتصاد العالمى من خلال صندوق النقد الدولى.
ويمكن أن يوافق الاقتصاد العالمى على طباعة النقود من خلال إصدار حقوق السحب الخاصة. وكانت المرة الأخيرة التى طُبق فيها مثل هذا القرار خلال الأزمة المالية العالمية فى عام 2008/ 2009، لتثبت فعاليتها آنذاك، خصوصا أن الدول التى كانت فى أمس الحاجة إلى مثل هذا التطبيق حصلت على نصيب الأسد بناء على نظام الحصص.وفى ظل تفشى وباء مثل «كوفيد-19»، فإن الاحتياجات أكبر، وكل الدول- خاصة الأسواق المتوسطة والحدودية- تتطلب مزيدا من دعم السيولة.
وبموجب معادلة التخصيص، ستتلقى إفريقيا بأكملها ما يصل إلى 25 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة التى تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار، فى حين أن مجموعة الدول الصناعية السبع ستتلقى ما مجموعه 217 مليار دولار، وستتلقى الولايات المتحدة 87 مليار دولار.
ولكن يمكن لدول مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، أن تعيد تخصيص حقوق السحب الخاصة بشكل طوعى إلى منشأة تحمل فوائد لدعم الدول منخفضة الدخل، مثل صندوق النمو والحد من الفقر التابع لصندوق النقد الدولى.
ومن شأن إعادة التخصيص الطوعى لحقوق السحب الخاصة أن يوفر مسارا للدول ذات الدخل المرتفع لإظهار التضامن العالمى مع تلقى عائد على استثماراتها بناء على أسعار الفائدة على حقوق السحب الخاصة، والقيادة الأميركية لها دور محورى فى هذا الأمر، لكن إذا لم يكن هذا دافعا كافيا، فتذكر أنه إذا استمرت بعض الدول فى النضال مع طفرات جديدة للوباء، فإن الحدود ستكون سهلة الاختراق وهذا يعنى أن العالم بأسره سيظل عرضة للخطر.
وأوضحت سونجوى، أن عدم اتخاذ أى إجراء لمعالجة أزمات قارة أفريقيا قد يؤدى إلى إعاقة جميع إنجازات التنمية على مدى عقدين من الزمن، وإبطاء الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
وبشكل عام، يمكن للعالم استخدام حقوق السحب الخاصة لطرد هذا الضيف الثقيل إلى الأبد دون إحداث ندوب طويلة الأمد. ويمكن لمجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين، الوفاء بهذا الوعد لإنقاذ القارة السمراء.