يبدو أن رهان المملكة العربية السعودية على انتهاء العصر الذهبي للبترول الصخري الأمريكي رهاناً أثبت صحته حتى الآن على الأقل.
وتظهر مجموعة من البيانات التزام حفارات البترول الصخري بتعهداتها بخفض التكاليف وإعادة الأموال إلى المساهمين وخفض الديون.
وإذا استمروا على هذا المنوال، فإن ذلك من شأنه إثبات الرهان عالي المخاطر لمنظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها- تحالف “أوبك بلس”- الذي يشير إلى قدرتها على كبح الإنتاج ودفع أسعار البترول الخام إلى الارتفاع دون إطلاق العنان للإمدادات المنافسين الأمريكيين.
وهذا الأمر يبقي سوق البترول في حالة تأهب، إذ أن ارتفاع البترول الخام يجعل الأمر أكثر إغراءً لمنتجي البترول الصخري للتراجع عن وعودهم، لكن رقعة البترول الصخري الأمريكي لا تظهر إشارات تُذكر على عودة حقيقية حتى الآن، وحتى أن الزيادة الهائلة في النشاط ستترك الإنتاج دون مستويات ما قبل الوباء حتى نهاية عام 2022، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
وجدير بالذكر أن المستثمرين يعاقبون شركات الحفر التي أظهرت علامات انحراف عن السيناريو المحدد وتعزيز الإنتاج.
وقال مايكل تران، العضو المنتدب لأبحاث إستراتيجية الطاقة العالمية في مؤسسة “آر بي سي كابيتال” الأمريكية، إن المستكشفين المتداولين علناً والذين لا يزالون منضبطين بشأن الإنتاج يساعدون في الحفاظ على ارتفاع أسعار البترول الخام، كما أن دوافع المنتجين- من ناحية أخرى- تظل تشكل سؤالاً مفتوحاً.
وأظهرت بيانات شركة “بيكر هيوز” ارتفاع عدد منصات البترول بالفعل بنسبة 80% بعد أن وصل إلى أدنى مستوياته في أغسطس.
وكلما ازداد مستوى تقيد حفارات البترول الصخري هذا العام، كلما ازدادت قدرتهم على زيادة إنتاج البترول بأسعار أعلى في العام المقبل وما بعده، حسبما قال تران.
وكتب محللو مؤسسة “جيه.بي مورجان تشيس” المصرفية، بما في ذلك ناتاشا كانيفا، في مذكرة للعملاء في 11 مارس، أنه كلما ارتفعت أسعار البترول الخام، فإن احتمالات حدوث طفرة أخرى في البترول الصخري ترتفع أيضاً.
وحتى مع ثبات الإنفاق الرأسمالي، فإن الجهود جارية للحفاظ على الإنتاج أو زيادته بتكلفة منخفضة، بحسب المؤسسة المصرفية.
قال المحللون: “بالأسعار الحالية، فإن معظم المشغلين البريين في الولايات المتحدة يعملون بشكل اقتصادى، مما يترك مجموعة كبيرة من المشغلين، من الشركات العامة الكبيرة إلى الشركات الخاصة، في وضع جيد لتعزيز النشاط في النصف الثاني من عام 2021 وبناء زخم قوي لزيادة الإنتاج في عام 2022”.
إنتاج صامت
يعمل المنتجون على زيادة إنتاجهم بشكل طفيف في وقت تتعافى فيه أسعار البترول إلى مستويات ما قبل الوباء، حيث تركز الشركات بدلاً من ذلك على خفض الديون وتسديد المبالغ النقدية للمساهمين من خلال توزيعات الأرباح.
وشهدت الشركات التي أعلنت مؤخراً عن خطط لزيادة الإنتاج، مثل “ماتادور ريسورسز” و”إي أوه جي ريسيروسز”، انخفاضاً في أسعار أسهمها.
سيطرة مُحكمة
الانضباط الرأسمالي هو كلمة السر في الوقت الراهن، حيث تركز شركات الاستكشاف والإنتاج على توليد التدفق النقدي الحر وتقوية ميزانياتها العمومية.
وقال دوغ ساتلز، الرئيس التنفيذي لشركة “أوفينتيف”، في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرج”: “ما نحتاج إليه حقاً هو الحفاظ على حجمنا وتوليد نقود مجانية وفائض نقدي مجاني كبير، ودفع ذلك إلى خفض الديون”.
حفر بكفاءة
وحتى مع قيام المنتجين بخفض الإنفاق الرأسمالي، يمكنهم إبقاء الإنتاج ثابتاً أو أعلى قليلاً مقارنة بالعام الماضي، وذلك لأنه مع استمرار تحسن شركات خدمات حقول البترول في الحفر والتكسير، فإن المستكشفين الذين وظفوها يحصلون على مزيد من الفوائد مقابل أموالهم.
ولكي يحقق المستكشف ربحاً في حوض ديلاوير في بيرميان، وهو الحوض الأمريكي الأقل تكلفة، فإنه من الضروري أن يكون سعر برميل البترول 33 دولارا تقريباً، بانخفاضا من 40 دولارا في عام 2019، بحسب تقديرات وحدة “بلومبرج إن إي إف”.
وذكر تقرير “بلومبرج إن إي إف”، أن عمليات إعادة التفاوض على العقود ومكاسب الكفاءة المستمرة وتحسينات العمليات لصناعة البترول سمحت بخفض تكلفة الحفر واستكمال البئر.
تأخر الإنتاج
يجب أن يعني الارتفاع الكبير في أسعار البترول هذا العام استمرار عدد الحفارات في الارتفاع من أدنى مستوياته التاريخية، خاصة في ظل استفادة المشغلين المتميزين من ارتفاع الإيرادات.
ولكن حتى إذا توسع الحفر بوتيرة أكثر قوة مما تعد به الشركات، فإن فكرة وصول إنتاج البترول الصخري الأمريكي إلى ذروته مرة أخرى ستحتاج وقتا أطول، وفقاً لتقديرات صادرة عن شركة شل “بروفايل أناليتكس” (ShaleProfile Analytics).
وإذا تضاعف عدد الحفارات بحلول نهاية العام ثم ظل ثابتاً، فسيستغرق الأمر حتى نهاية عام 2022 قبل أن تستعيد الصناعة الإنتاج الذي فقدته خلال فترة تفشي الوباء، لكن النموذج يفترض عدم وجود تغييرات في إنتاجية الآبار أو في عدد الآبار المحفورة ولكن غير المكتملة.