بقلم: ريهام مقبل
تزايدت الحاجة للمسئولية المجتمعية لرجال الأعمال بشكل كبير فى مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، نتيجة لما شهدته مصر من حالة عدم استقرار سياسى واقتصادى واجتماعى، وحاجة مصر إلى تكاتف مجتمعى للعبور من الأزمات، وكان الرهان كبير على دور رجال الأعمال لمساعدة المجتمع المصرى على النهوض من جديد.
وتوالت الدعوات لرجال الأعمال المصريين مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى للمساعدة فى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، باعتباره عمل إنسانى وواجب وطنى.
ومع أن تلك الدعوات قد نالت استحسان رجال الأعمال، فإن ذلك الملف ما زال ينقصه الكثير ويكتنفه الكثير أيضا من خلط المفاهيم وربما الأدوار، إذ يكتنف مفهوم المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال خلطا كبيرا بين مفهومى التبرع الخيرى والمسئولية المجتمعية.
ويربط بعض رجال الأعمال التبرع بالزكاة أو إطعام فقراء وتوفير ملابس أو خدمات لهم دون التطرق إلى مشروعات تنموية تغير المستوى المعيشى للفقراء بشكل مستدام، فالأعمال الخيرية لها أوجه صرف محددة منصوص عليها فى الشريعة الإسلامية، ولكن المسئولية المجتمعية تتعلق بفكرة المساهمة فى تحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال تبنى استراتيجيات وممارسات لإعلاء شأن القيمة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية فى إطار نماذج وممارسات العمل الأساسية.
وعادة يتم تخصيص ميزانية المسئولية المجتمعية من صافى ربح تلك المؤسسة، مما قد يسهم فى مراقبة أوجه صرف الميزانية بما يضمن تحقيق النزاهة والشفافية وتحقيق نتائج أكثر فعالية.
وفى الواقع، فإن الحكومة بذلت جهدًا كبيرًا لتشجيع رجال الأعمال لممارسة أدوارهم فى المسئولية المجتمعية من خلال آليات محفزة وفق إطار منظم.
وقد تضمن قانون الاستثمار فى مايو 2017، بندًا خاص بالمسئولية المجتمعية للمستثمر، وتشير المادة 15 الفقرة الأولى من القانون المشار إليه، “يجوز للمستثمر تحقيقاً لأهداف التنمية الشاملة والمستدامة تخصيص نسبة من أرباحه السنوية لاستخدامها فى إنشاء نظام للتنمية المجتمعية، خارج مشروعه الاستثمارى، من خلال مشاركته فى مجالات خاصة بحماية البيئة، الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية، ودعم التعليم الفنى، والتدريب والبحث العلمى”.
وتضمن القانون بعض الآليات المحفزة، حيث نص قانون الاستثمار على “يعد ما ينفقه المستثمر من مبالغ فى أحد المجالات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة بما لا يجاوز نسبة (10%) من أرباحه السنوية الصافية من التكاليف والمصروفات واجبة الخصم وفقاً لنص المادة (23) (بند 8) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005”.
ولقد أدركت بعض الشركات أهمية المسئولية المجتمعية من منطلق حقيقة أن تخصيص جزء من الأرباح لتنمية المجتمع وتطوير حياة أفراد البيئة المحيطة من شأنه أن يعظّم أرباح الشركة وتوفير بيئة آمنة لممارسة الأعمال.
وبالتالى، تغيرت وجهة النظر الخاصة ببعض رجال الأعمال لممارسة دورهم المجتمعى من الأعمال الخيرية بشكل عام، إلى إدراك وجود جملة من الحوافز التى تشجع رجال الأعمال لممارسة دورهم فى المسئولية المجتمعية، منها على سبيل المثال، تحسين سمعة الشركات مع إدراك أن ذلك ليس عملاً خيريًا، ولكنه التزام لتطوير مؤسساتهم، وتزايد الثقة المتبادلة بين الشركات وأصحاب المصالح لا سيما فى حالة الالتزام بالاعتبارات البيئية، وجذب العناصر البشرية المتميزة وبناء علاقات قوية مع الحكومات مما يساعد على حل النزاعات وحسن إدارة المخاطر الاجتماعية التى قد تترتب على الممارسات والأنشطة.
وفى خضم تفشى جائحة كورونا فى مصر منذ مارس 2020، اتجهت الأنظار إلى رجال الأعمال لمساندة مصر للعبور من الأزمة الحالية، وبالفعل أسرع بعضهم إلى دعم جهود الدولة فى مواجهة فيروس كورونا المستجد وتقديم التبرعات لدعم القطاع الصحى والعمالة غير المنتظمة، باعتبارها أولوية قصوى، وأعلن بعض رجال الأعمال استعدادهم للمساعدة فى توفير لقاح لجائحة كورونا لغير القادرين وقامت الحكومة بإبراز دورهم بالبيانات والأرقام الرسمية ونشرها على الجمهور، لتشجيعهم على الاستمرار فى تقديم الدعم.
ومع ذلك، هناك جملة من التحديات التى قد تواجه رجال الأعمال فى الفترة المقبلة لممارسة دورهم المجتمعى، خاصة بأولوية الحفاظ على أجور العمالة الموجودة لديهم أو جزء مناسب منها، فى ظل تراجع المبيعات والذى يدفع للاستغناء عن جانب من العمالة، بل يمكن أن يؤدى لإغلاق بعض الشركات.
وبالتالى، منح الأولوية للتركيز على الحفاظ على أرباح الشركة أو تعظيمها للحفاظ على العمالة الداخلية لمنع السقوط، من منطلق أنها شركات ربحية وليست خيرية.
وهذا يعنى عمليًا أن الفترة المقبلة ستشهد تغيرات خاصة بتنظيم العلاقة بين رجال الأعمال والمجتمع المدنى لمنح الأولوية للعمالة الداخلية، وبشكل خاص قد يؤثر هذا فى العلاقة بين العاملين وشركاتهم التى قد تتعرض لفقد الثقة بين كل الأطراف.
لذلك، فمن المهم فى الفترة التالية على الانتهاء من أزمة تداعيات كورونا، ألا يقتصر دور رجال الأعمال على الأزمات فقط، بل لابد من بلورة رؤية واضحة نحو الدور الاجتماعى الذى تريد شركاتهم أن تتبناه والقضية الرئيسية التى ستهتم بالعمل على معالجتها فى إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة والشراكة الاستراتيجية بين القطاعين الخاص والحكومى والمجتمع المدني، وهو أحد ركائز رؤية مصر 2030.
فنجاح الدولة فى التعامل مع التحديات الراهنة لا يمكن أن يحدث بالشكل المطلوب دون تكاتف الجميع ودون قيام كل قطاع بما يجب عليه القيام به، وفى القلب منهم رجال الأعمال الذين توفر لهم الأزمة الراهنة فرصة ذهبية لتصحيح الصورة النمطية التى ترسخت لدى الرأى العام بشأن رجال الأعمال عبر العقود الماضية.