البيانات الرسمية وغير الرسمية أصبحت تعطى معلومات مضللة لصناع القرار عند اتخاذ قرارات بشأن آثار “كوفيد-19”
تسبب تفشي وباء “كوفيد-19” في اختلال الإحصاءات الاقتصادية في العالم بأسره، تاركا الحكومات والاقتصاديين يكافحون لتحديد السياسة والأداء في مرحلة حرجة من الأزمة.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن البيانات الرسمية وغير الرسمية تعطي إشارات غير متسقة وربما مضللة عندما يتعين على صانعي السياسات اتخاذ بعض أهم القرارات بشأن الآثار الاقتصادية للقاح كورونا.
وأشارت الصحيفة، إلى أن المشاكل المتعلقة بجمع البيانات وتأثير سياسات الداعمة واللازمة للتصدي لتداعيات الوباء وانهيار العلاقات السابقة بين البيانات وأداء الأعمال، تجعل التقييمات الدقيقة بعيدة المنال.
ويقول رئيس التوقعات قصيرة المدى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نيجل باين: “ليس لدينا أي سبب للشك في أن المكاتب الإحصائية تقوم بعمل ممتاز، لكننا يجب أن نضع في أذهاننا حجم قضايا البيانات، ومع كل البيانات الاقتصادية، فإن الشعار الآن هو تعامل بحذر”.
الناتج المحلي الإجمالي
عادة ما يكون الناتج المحلي الإجمالي أهم إحصاء اقتصادي منفرد، فهو يعطي مقياسا موثوقا وقابلا للمقارنة على المستوى الدولي للأداء الاقتصادي قصير الأجل.
لكن نظرا لأن الوكالات الإحصائية غير قادرة على إجراء استطلاعاتها العادية، فهناك أسئلة تتعلق بالثقة تدور حول الأرقام والمراجعات الضخمة مع توفر المزيد من المعلومات، كما تزداد أهمية بعض القضايا المنهجية، خاصة فيما يتعلق بقياس الناتج الحقيقي للخدمات العامة.
وكانت المملكة المتحدة خارجة عن المألوف، مع نهج لقياس أحجام الخدمات العامة التي أقر مكتبها للإحصاءات الوطنية، والذي أشار إلى أنها تعطي نتائج ضارة لأنها كانت تقيس المخرجات الصحية من خلال عناصر مثل زيارات الأطباء المحليين والعمليات العادية، وليس اختبار الفيروس وتتبع المصابين والتطعيمات.
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن هذه القضايا جعلت المقارنات الدولية أكثر صعوبة، لكنها توقعت أن تكون هذه المشكلة مؤقتة فقط، لذا يجب تصحيح هذه المشكلات بمرور الوقت.
مؤشرات مديري المشتريات
تتمتع مؤشرات مديري المشتريات الشهرية منذ فترة طويلة بسمعة طيبة في أوروبا والولايات المتحدة باعتبارها من بين المؤشرات المبكرة الأكثر موثوقية للاتجاهات الاقتصادية.. لذا منحتها البنوك المركزية اهتماما وثيقا للغاية وتذكر بانتظام تحركاتهم في حسابات اجتماعاتهم السياسية.
لكنها أثبتت صعوبتها كمقاييس للأداء الاقتصادي، فالأرقام الرئيسية تسعى لقياس ما إذا كان النشاط الاقتصادي قد ازداد أو ضعف منذ مسح الشهر السابق، وهي ميزة يجب أن تعطي نتائج منخفضة للغاية عند فرض القيود الوبائية، تليها أرقام عالية للغاية عند بدء التعافي حيث تكون التقلبات الاقتصادية أكبر بكثير من المعتاد.
وقالت أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للأعمال، لوكريزيا ريتشلين: “سواء كان ذلك بسبب إبلاغ الشركات عن مستوى إنتاجها بدلا من التغيير عن الشهر السابق، فقد أصبح من الصعب للغاية تفسير الأرقام كما أنها لا تعكس التغييرات التي تحدث في الاقتصادات”.
وأضافت: “على عكس ما سبق، إذا حددت توقعاتك لما سيحدث للناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني على مؤشرات مديري المشتريات، فإنها ستكون منخفضة للغاية، ولن تتطلع إلى تأثير حملات التلقيح والحزمة المالية التي أقرتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا.
البيانات في الوقت الفعلي
أصبحت المؤشرات الأسرع للأداء الاقتصادي شائعة خلال الوباء، مع تحليل المعلومات الخاصة بمجموعة كبيرة من الموضوعات- بما في ذلك حركة الأشخاص وحجوزات المطاعم وتدفقات حركة المرور والإنفاق على بطاقات الائتمان- في الوقت الفعلي وذلك من أجل تحديد قوة الاقتصادات.
وفي يونيو الماضي، قال كبير الاقتصاديين في البنك المركزي البريطاني، آندي هالدين، إن التحول إلى استخدام مؤشرات أسرع سيكون أمرا دائما لأنه سيحسن دقة وتوقيت كل من إحصاءات البنك وفهمه للاتجاهات الاقتصادية.
لكن لمعان هذه المؤشرات تلاشى، فقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مؤخرا، إلى أن العلاقة بين أحد المؤشرات الجديدة التي تمت مراقبتها عن كثب والأداء الاقتصادي قد تغيرت خلال الأرباع الثلاثة الأخيرة من عام 2020، ما تسبب في تحول العديد من التوقعات المستندة إلى هذه البيانات لتصبح تشاؤمية للغاية.
التضخم
تكمن مشكلة أرقام التضخم في أن التركيبة التقليدية للسلع والخدمات المستخدمة لقياس الأسعار لم تعد تعكس أنماط إنفاق الأسر، خاصة أن هناك بعض الخدمات، مثل وجبات المطاعم، لم تعد متوفرة في العديد من الدول، كما أن الأسوأ أصبحت تنفق بشكل أكثر بكثير على خدمات أخرى مثل التنزيلات الرقمية.
وأشار مارشال رينسدورف، كبير الاقتصاديين في قسم الإحصاء لدى صندوق النقد الدولي، إلى أن الأسعار الفعلية للسلع والخدمات التي كان الناس يشترونها ارتفعت بشكل أسرع من التضخم المُقاس في جميع مناطق العالم تقريبا خلال الموجة الأولى من الوباء.
وقالت داناي كيرياكوبولو، كبيرة الاقتصاديين في مركز أبحاث السياسة “أو إم إف أي إف”، إنه في الوقت الذي يبدأ فيه العالم في الشعور بالقلق تجاه ارتفاع الأسعار، ستكون هناك مشكلة إذا فشلت الإجراءات الرسمية في عكس الحقيقة، لكن لا يوجد حل سهل.
وأضافت: “هل تغير سلة التضخم من أجل الوباء فقط؟، لأن ذلك يخلق مشاكل الاستمرارية.