يسير الاقتصاد العالمى هذا العام، فى طريقه نحو أسرع نمو له منذ أكثر من نصف قرن، ومع ذلك فإن الاختلافات وأوجه القصور قد تحول دون بلوغه مستويات ما قبل الوباء فى أى وقت قريب.
وتقود الولايات المتحدة زمام الأمور فى الاجتماع الافتراضى نصف السنوى لصندوق النقد الدولى هذا الأسبوع، إذ تضخ تريليونات الدولارات لتحفيز ميزانيتها ، وتستأنف دورها كوصى على الاقتصاد العالمى بعد هزيمة الرئيس جو بايدن للرئيس السابق دونالد ترامب الذى كان يتبنى شعار «أمريكا أولا».
وتلعب الصين دورا أيضا، بناءً على نجاحها فى مكافحة الوباء العام الماضى، حتى عندما بدأت التراجع عن بعض مساعداتها الاقتصادية.
ومع ذلك، عكس ما حدث عقب الأزمة المالية العالمية، يبدو الانتعاش غير متوازن، ويرجع ذلك جزئيا إلى اختلاف مواعيد طرح اللقاح والدعم المالى عبر الحدود، حيث تتخلف معظم الأسواق الناشئة ومنطقة اليورو، فى حين وسعت فرنسا وإيطاليا القيود على النشاط الاقتصادى لاحتواء الوباء.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولى، كريستالينا جورجيفا، الأسبوع الماضى: «بينما تحسنت التوقعات بشكل عام، تتباين الآفاق بشكل خطير. اللقاحات ليست متاحة بعد للجميع وفى كل مكان، ولا يزال كثيرين يعانون من فقدان الوظائف وزيادة الفقر، وتتخلف العديد من الدول عن الركب».
وقد يستغرق الأمر أعواما حتى تستطيع مناطق شاسعة من العالم الانضمام إلى الولايات المتحدة والصين فى التعافى التام من الوباء.
وبحلول عام 2024، سيظل الناتج المحلى الإجمالى العالمى أقل بنسبة %3 مما كان متوقعا قبل الوباء، وستعانى الدول التى تعتمد على السياحة والخدمات أكثر من غيرها، بحسب صندوق النقد الدولى.
واكتشف هذا التفاوت من خلال مجموعة من التقارير التى تصدرها مؤسسة «بلومبرج إيكونوميكس»، والتى أظهرت نموا عالميا بنحو %1.3 على أساس ربع سنوى فى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021.
ورغم أن الولايات المتحدة تسجل انتعاشا، إلا أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان تسجل انكماشا. أما فيما يتعلق بالأسواق الناشئة، فإن الصين تتفوق على كل من البرازيل وروسيا والهند.
وبالنسبة لعام 2021 بأكمله، تتوقع «بلومبرج إيكونوميكس» نموا نسبته %6.9، وهو الأسرع فى السجلات التى يعود تاريخها إلى الستينيات، وهى نظرة مزدهرة جاءت بفضل تراجع التهديدات الوبائية وتوسيع الحوافز الأمريكية ومدخرات مكبوتة بتريليونات الدولارات.
وسيعتمد كثير من النمو على مدى سرعة الدول فى تلقيح سكانها مع خطر أنه كلما استغرق الأمر وقتًا أطول، زادت فرصة بقاء الوباء فى شكل تهديد دولى، خصوصا إذا ظهرت سلالات جديدة.
ويُظهر برنامج تعقب اللقاح من «بلومبرج» ، أن الولايات المتحدة استطاعت إدارة جرعات تعادل نحو ربع سكانها، لكن الاتحاد الأوروبى لم يصل بعد إلى %10 من السكان، كما أن المعدلات فى المكسيك وروسيا والبرازيل تقل عن %6.
ويتوقع المسؤول السابق فى الاحتياطى الفيدرالى، ناثان شيتس، أن تستفيد الولايات المتحدة من الاجتماعات الافتراضية لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى لقول إن الوقت الحالى ليس الوقت المناسب لتراجع الدول عن مساعدة اقتصاداتها.
إنها حجة موجهة فى الغالب إلى أوروبا، خصوصا ألمانيا، بتاريخها الطويل من الصرامة المالية. فصندوق الانتعاش المشترك للاتحاد الأوروبى البالغ 750 مليار يورو (885 مليار دولار) لن يبدأ عمله حتى النصف الثانى من العام.
ويمكن أن يجد الاقتصاد الأمريكى، وهو أكبر اقتصاد فى العالم، نفسه فى موقف دفاعى عندما يتعلق الأمر بتوزيع اللقاحات بعد تكديس الإمدادات الضخمة لنفسه.
ويقول شيتس، الذى يشغل الآن منصب رئيس البحوث الاقتصادية العالمية فى «بى.جى.آى.إم فيكسد إنكوم»: «سنسمع صرخة تنبثق خلال هذه الاجتماعات لمزيد من المساواة فى الحصول على اللقاحات».
ورغم أن الاقتصاد الأمريكى المزدهر سيعمل بلا شك كمحرك لبقية العالم من خلال امتصاص الواردات، قد يكون هناك أيضا بعض التذمر بشأن تكاليف الاقتراض المرتفعة فى السوق التى يجلبها النمو السريع، خاصة من الاقتصادات التى لم تستقر أوضاعها بعد.
وقال مورى أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين السابق فى صندوق النقد الدولى: «حوافز بايدن سيف ذو حدين».
وأشار الزميل الأقدم فى معهد بيترسون للاقتصاد الدولى فى واشنطن، إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل فى الولايات المتحدة يؤدى إلى تشديد الأوضاع المالية العالمية، ما قد يؤثر على القدرة على تحمل الديون بالنسبة للدول التى تعمقت فى الديون للتصدى لتداعيات الوباء.
وفى الوقت نفسه، قال كبير الاقتصاديين لدى «جى.بى مورجان تشيس»، بروس كاسمان، إنه لم ير مثل هذه الفجوة الواسعة خلال الـ 20 إلى 25 عاما فى الأداء المتفوق المتوقع للولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى عند مقارنته بالأسواق الناشئة، ويعود ذلك جزئيا إلى اختلافات توزيع اللقاح، فضلا عن خيارات السياسة الاقتصادية التى تتخذها مختلف الدول.