إذا كانت التوقعات الواردة فى أحدث آفاق الاقتصاد العالمى لصندوق النقد الدولى دقيقة، فيمكن اعتبار المحفزات المالية والنقدية المقدمة من صانعى السياسات فى البلدان الغنية نجاحا باهرا.
ويتوقع تقرير الصندوق أنه سيكون هناك القليل من الضرر الدائم من وباء “كورونا” بحلول عام 2024 ، وستصل الخسارة الإجمالية فى الناتج الاقتصادى إلى 1% من الدخل القومى المتوقع للاقتصادات المتقدمة، مقارنة بأكثر من 10% بعد خمس سنوات من الأزمة المالية العالمية فى 2008.
وكان كل من الإنفاق الحكومى والتحفيز النقدى غير مسبوق من حيث الحجم وساعد الاقتصاد العالمى على تجنب المعاناة من مصير أسوأ بكثير، ويقدر صندوق النقد الدولى أنه بدون جهود التحفيز، كانت الضربة التى يمكن أن تلحق بالنمو الاقتصادى خلال عام 2020 لتكون أكبر بثلاث مرات، وعلاوة على ذلك تعكس الآفاق المستقبلية الأكثر إشراقا القطاع الخاص، ليس فقط اكتشاف اللقاحات ولكن تكيفت الشركات مع قيود فيروس “كورونا” وطرق العمل الجديدة.
ومع ذلك، فإن مؤهلات هذا النجاح أكثر أهمية بشكل حيوي، ويتوقع صندوق النقد الدولى أن يكون التعافى غير متكافئ داخل البلدان، حيث أن العمال الأصغر سنا وذوى الأجور المنخفضة هم الأكثر تضررا، وسيواجهون المزيد من الأضرار على المدى الطويل، كما أن الأكثر إثارة للقلق هو عدم المساواة بين الدول: العالم النامي، باستثناء الصين، سوف يستغرق وقتا أطول للتعافي، ويقدر الصندوق أن 95 مليون شخص إضافى دفعوا إلى براثن الفقر المدقع، مع معاناة 80 مليون آخرين من سوء التغذية.
وحتى فى العالم الغني، ستتخلف بعض البلدان عن الركب، ومن المتوقع، أن تتجاوز الولايات المتحدة مستوى دخلها القومى قبل “كوفيد” فى وقت لاحق من العام الجاري، وذلك بفضل المزيد من التحفيز المالى وبرنامج التطعيم السريع، بينما سوف تحتاج منطقة اليورو وبريطانيا وقتا أطول للتعافي، ويرجع ذلك جزئيا إلى الاقتصادات الأقل مرونة وقابلية للتكيف، ولكن أيضا كانت جهود التحفيز فى القارة المحدودة للغاية، ويسلط الفشل فى السيطرة على الموجة الثالثة، بسبب سلالة “B.1.1.7” الأكثر عدوى، والتى تم اكتشافها لأول مرة فى بريطانيا أيضا، الضوء على أن التحدى الاقتصادى الأهم لا يزال هو احتواء الفيروس.
كما أن الضرر الذى لحق بالقطاعات لم يكن متساويا، ومن غير المرجح أن تتعافى البلدان التى تعتمد على السياحة بسرعة، بجانب البلدان التى لديها قطاعات خدمات كبيرة تتطلب تعاملات وجها لوجه، ويبرز توظيف هذه القطاعات للعمال الأصغر سنا وذوى المهارات المتدنية إحدى المشاكل الاقتصادية الكبيرة القادمة التى تواجه حكومات البلدان الغنية، وهى كبح تفاقم عدم المساواة والتأكد من أن أولئك الذين تحملوا وطأة الضربة الاقتصادية الناجمة عن سياسات الإغلاق لن يتأثروا بشكل دائم، وأدى الوباء بالفعل إلى تسارع الاتجاهات الحالية نحو تبنى تكنولوجيات جديدة والتي، بدون تقديم المساعدة المناسبة، يمكن أن تترك العديد من ذوى الأجور المنخفضة يكافحون.
وكان التعاون الدولى أثناء الوباء أقل نجاحا من صنع السياسات المحلية، وستتضرر البلدان الأكثر فقرا، التى ليس لديها الكثير من القدرة على تخفيف الضرر الذى يلحق بالدخل القومى من خلال السياسة المالية والنقدية، فضلا عن قلة فرص الحصول على اللقاحات، وفقا لصندوق النقد الدولي، وقد تعانى البلدان الأشد فقرا من ضرر من الوباء على المدى المتوسط أكثر مما تعرضت له بعد الأزمة المالية العالمية.
ويعد قرار مجلس محافظى صندوق النقد الدولى بإصدار المزيد من حقوق السحب الخاصة، وهى أداة مالية للمساعدة فى دعم موازين البلدان الفقيرة، خطوة أولى جيدة ولكن هناك حاجة للمزيد، بما فى ذلك المزيد من تخفيف الديون وضمان أن مبادرة “كوفاكس” الدولية، وهى الجهود المبذولة لتوزيع اللقاحات على البلدان الفقيرة، لديها موارد كافية، وتظهر توقعات صندوق النقد الدولى أن الفرصة المقبلة تتمثل فى قدرة السياسة الاقتصادية – عند استخدامها على أكمل وجه للاستجابة للأزمة – على ضمان أن يكون الانتعاش شاملا حقا.
بقلم: افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية