أخذت أسواق السندات مقعد القيادة، ويشير ارتفاع العائدات على خلفية التعافي الاقتصادي المتسارع إلى انتعاش متوقع في التضخم.
كما أنه يحفز عودة الاستثمار في قطاعات القيمة، بعد أن كان التضخم قد اختفى عن رادارات المستثمرين لفترة طويلة.
لذلك، من المغري أن ننظر إلى الارتفاع الأخير، خصوصا في الولايات المتحدة، على أنه مجرد انتعاش فني في أسعار المواد الغذائية والبترول ومدخلات التصنيع بعد انخفاضها في بداية عمليات الإغلاق في العام الماضي، لكن سيكون من الحكمة أن ينظر المستثمرون لهذا التفسير بقليل من الشك.
فالقوى الهيكلية المختلفة تكون لها تداعيات ضخمة عند إدراكها متأخرا، ومن بين العواقب الرئيسية بيئة معادية للتجارة والعولمة، وبرامج دعم الأعمال والعمالة العامة، وعبء الديون الاستثنائي الذي يغذيه الوباء، وهو ما خلق نقطة تحول في نظام السوق الحالي منذ فترة طويلة.
والأهم من ذلك، أصبح التضخم الآن مرغوبا فيه كطريق للخروج من الأزمة عن طريق تخفيض قيمة الديون بمرور الوقت.
وقبل عام، اضطرت البنوك المركزية والحكومات إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة في الوقت المناسب لتجنب كساد على غرار عام 1929، ولا شك أن الديون المتزايدة الناتجة ستؤثر على الأجيال القادمة، ولكن في الوقت الحالي، يبدو أنها الطريقة الوحيدة لإنعاش الاقتصادات الوطنية من خلال جعلها أكثر إدمانا للديون.
ولكي لا ينهار بيت البطاقات بأكمله، يجب استعادة النمو والتضخم، فهذه هي الطريقة الوحيدة لسداد إرث الديون الذي خلفه الأزمة، وهذا هو تماما السبب الذي يجعل أمثال وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، يقللون من أهمية الصحوة الأخيرة في التضخم – ولكن ليس لفترة طويلة.
ومع تسارع برنامج التطعيمات، من المرجح أن يتجه الاقتصاد الأمريكي نحو إعادة الفتح بالكامل بحلول الصيف.
وأدت الأزمة المالية عام 2008 إلى انخفاض الطلب الكلي لفترة طويلة، ولكن قد نرى العكس في الأزمة الحالية إذ تقف معدلات الادخار الشخصي في الولايات المتحدة عند مستويات عالية لم نشهدها منذ منتصف السبعينيات، إلى جانب الأكوام النقدية الكبيرة الموجودة في ميزانيات الشركات، وينتظرون الضوء الأخضر الذي يشير إلى نهاية عمليات الإغلاق قبل البدء في نوبة إنفاق، هذا، في الوقت الذي أضر فيه الفيروس أيضا بجانب العرض في الاقتصاد من خلال سلاسل التوريد المعطلة وإغلاق الأعمال.
إذا أضفنا إلى ذلك حزمة البنية التحتية الإضافية التي تقدر بمليارات الدولارات التي اقترحتها حكومة بايدن لمعالجة الركود في سوق العمل، والتي من المحتمل أن يتم تمويلها من خلال الزيادات في ضرائب الكربون التي ترفع التكاليف، فإن جميع الظروف ستمهد الطريق لظهور التضخم من جديد.
وفي بداية الأزمة، أتى الإجراء الجريء من قبل للفيدرالي – والذي تضمن التمويل واسع النطاق للديون الحكومية – في الوقت المناسب، والآن من الصعب عدم رؤية أنه إطلاق العنان لتوقعات التضخم وإحياء شبح نمو الأسعار على غرار السبعينيات.
غالبا ما يتغير نظام السوق مع تغير صلاحيات البنوك المركزية، ويتبدد تركيز المركزي على استهداف التضخم الذي بدأ بوصول بول فولكر لرئاسة الفيدرالي عام 1979، ويتضح ذلك بشدة في الأولويات الجديدة التي اعتمدها مؤخرا بنكان مركزيان: تحقيق معدل العمالة الكامل والشامل من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وتقليل الاحتباس الحراري العالمي من قبل بنك إنجلترا.
وبالنسبة للمستثمرين، يعني ذلك أن الارتفاع في عائدات السندات ربما لم ينته بعد، لكن سرعته قد تتباطأ، ولننظر على سبيل المثال لنوبة الغضب في عام 2013 في أسواق السندات التي أعقبت إشارات الفيدرالي إلى تقليص الدعم، فقد حدث أكثر من ثلثي التصحيح في الأشهر الثلاثة الأولى، ونعتقد أن هذا قد يكون هذا هو الحال مرة أخرى، ويأتي بقية التصحيح بعد الصيف عندما تكشف البيانات الاقتصادية القوة الحقيقية للاقتصاد الأمريكي ومسار التضخم.
ومن المتوقع أن يتضاءل دور “الفيدرالي” في تشويه أسعار الأصول بينما تعيد قوى السوق تأكيد نفسها، ومع حدوث ذلك، نتوقع المزيد من المكاسب فيما يعرف بأسهم القيمة – الشركات التي تعتبر مقومة بأقل من قيمتها مقارنة بأصولها أو أرباحها.
وحدث الجزء الأول من التحول متعدد السنوات نحو القيمة في نوفمبر في أعقاب أخبار اللقاح الإيجابية، وهو ما أدى إلى إعادة تصنيف مباشر للأسهم ذات القيمة من مستوياتها المنخفضة للغاية، ومثل الارتفاع في الآونة الأخير في معدلات التضخم، فإن هذه ليس مجرد صورة عابرة.
وفي لحظة انتقام أسهم القيمة التي طال انتظارها، يجب على المستثمرين الانتباه إلى الأسماء الدورية في أوروبا أو الشركات في الولايات المتحدة التي يمكنها الاستفادة من التحول التكنولوجي وانتقال الطاقة، ويمكن أن تساعد عودة التضخم في تخفيف عبء الديون، ولكن سيكون من الصعب تقبله لأنه يحول الثروة بشكل تعسفي من المدخرين إلى المقترضين، ويحتاج المستثمرون إلى إعداد أنفسهم لهذا التحول من خلال البحث عن أسهم القيمة بدلاً من ملاحقة الموضات الجديدة.
بقلم: باسكال بلانك، مدير الاستثمار في “أموندي” لإدارة الأصول.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”