يعد قطاع التصنيع مهماً، ورغم أنه أصبح “مؤتمتاً” وعالمياً بشكل متزايد خلال العقود العديدة الماضية، فإنَّ قطاع التصنيع لا يزال يحتل مكانة خاصة في النفس الوطنية داخل الولايات المتحدة والدول المصدرة الكبرى الأخرى، ومنها ألمانيا والصين واليابان. ويعود ذلك جزئياً إلى الفوائد غير المتناسبة التي تعود على الاقتصاد.
وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بالرغم من أن قطاع التصنيع يشكل 11% من الناتج المحلي الإجمالي و8% من العمالة المباشرة، فإنه يقود 20% من الاستثمار الرأسمالي في الدولة، و30% من نمو الإنتاجية، و60% من الصادرات، و70% من البحث والتطوير التجاري، وفقاً لأرقام معهد “ماكينزى” العالمى.
وتعد حصة التصنيع من الاقتصاد في العديد من الدول المتقدمة الأخرى، أعلى بكثير.
ولا عجب أن يكون الجدل حول مكان صنع الأشياء عاطفياً وسياسياً، واحتل هذا النقاش الصدارة في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب حروب التكنولوجيا والتجارة بين الولايات المتحدة والصين ونقص سلسلة التوريد في الوباء، ولكن أيضاً بسبب حقوق الإنسان.
وتجد العلامات التجارية الغربية بما في ذلك “نايك”، و”إتش آند إم” وصناع المنتجات الفاخرة الأوروبيون، أنفسهم في موقف صعب بشكل متزايد لاستخدام القطن المنتج في شينغيانغ، والذي قد يتم حصاد بعضه ونسجه عن طريق العمالة الأويغورية القسرية.
وتتعرض الشركات الأمريكية والأوروبية لضغوط هائلة لمقاطعة قطن شينجيانغ واستخدام البدائل المحلية.
ومع ذلك، عندما يفعلون ذلك، فإنهم يخاطرون برد فعل عنيف من الصينيين، الذين يبدو أنهم أضافوا الأويغور إلى قائمة مجالات “عدم المناقشة” مثل التبت وتايوان وتيانانمين.
وأظن أن العلامات التجارية الأقل أهمية ستعتمد إلى حد كبير على مدى أهمية الصين لإيراداتها الإجمالية ونموها المستقبلى.
ولكن صناعة النسيج أصبحت أقل عولمة منذ بعض الوقت الآن.
وفي الولايات المتحدة، كانت قطاعات المنسوجات والأثاث من بين القطاعات الأكثر تضرراً من انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية؛ نظراً إلى أن هذه القطاعات تتطلب عمالة مكثفة وقابلة للتداول.
ومع ذلك، تحولت الحسابات الآن مع ارتفاع الأجور والطلب المحلي في الصين، وحتى قبل مخاوف شينجيانغ بفترة طويلة، كانت سلاسل توريد الملابس تتغير، وصدر المنتجون الصينيون 71% من الملابس الجاهزة في عام 2005، وبحلول عام 2018، كانت هذه النسبة 29% فقط.
ويأتي هذا التغيير بالتزامن مع رياح خلفية أخرى لاتجاه تصنيع الملابس إقليميا، ويذهب مزيد من العلامات التجارية مباشرة إلى المستهلكين، متجاوزة المتاجر التقليدية باهظة التكلفة، وهو ما يؤدي إلى زيادة الاستثمارات في البرمجيات، ويعزز الكفاءة، ويقصر دورات الإنتاج، وبالتالي يرجح كفة الإنتاج المحلي من حيث تكلفة العمالة، والنقل، والإنتاجية، وتعتمد أهمية إعادة التوطين تلك بالنسبة للاقتصادات الوطنية إلى حد كبير على الصناعة.
وتفحص دراسة رائعة أجراها معهد ماكينزى العالمي، وستصدر في 15 أبريل، 30 قطاعاً صناعياً رئيسياً في الولايات المتحدة، ووجدت أن 16 منهم يبرزون لقيمتهم الاقتصادية والاستراتيجية، والمقاسة بمساهمتهم في الإنتاجية الوطنية والنمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل والدخل، والابتكار والمرونة الوطنية.
ولا تندرج صناعة الملابس في القائمة، وإنما تضم أشباه الموصلات، والأجهزة الطبية، ومعدات الاتصالات، والإلكترونيات، والسيارات وقطع غيار السيارات، والأدوات الدقيقة، وبالطبع تنقسم بعض هذه الصناعات على أسس وطنية، غالباً لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية – وانظروا إلى حروب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بالصدارة في تصميم الرقائق، فقد انخفضت قدرتها الإنتاجية المحلية بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، وهذا هو أحد أسباب إغلاق مصانع السيارات الأمريكية منذ فبراير عندما عاود الإنتاج الارتفاع بعد الوباء.
وفي الشهر نفسه، دعا الرئيس جو بايدن، إلى إجراء مراجعة وطنية لنقاط الضعف في سلسلة التوريد، وأوضحت إدارته بالفعل أنها ترغب في رؤية مزيد من الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات والإمدادات الطبية وغيرها من العناصر المهمة من الناحية الاستراتيجية.
ويمكن للولايات المتحدة أن تزيد الطلب على الرقائق المصنعة محلياً، ولكن فقط إذا قامت الحكومة بتأمين الاستثمار من خلال الشراء الفيدرالي المضمون للإمدادات، كما فعلت مع أشباه الموصلات في الخمسينيات والستينيات.
وبالنظر إلى مبادرة “شراء المنتجات الأمريكية” في عهد بايدن، بالإضافة إلى استخدام الميزانية العمومية الفيدرالية لدعم النقابات العمالية في العقود الحكومية والبنية التحتية للرعاية الصحية ، فهذا أمر يمكن تصور حدوثه، وفي الواقع، فإن البعض داخل مجتمع الدفاع (الذي يحتاج إلى رقائق متطورة للمعدات العسكرية) وكذلك اليسار التقدمي (الذي يريد من الولايات المتحدة أن تقود في أحدث التقنيات النظيفة، والتي تخلق أيضا طلبا على أشباه الموصلات) يرغبون في انفصال سلاسل توريد الرقائق في الولايات المتحدة عن تلك في الصين.
أين يترك هذا أوروبا؟
جالسة بشكل غير مريح بين قوتين اقتصاديتين عظيميين، ولا يهم كثيراً على مستوى التنافسية الوطنية ما يفعله بائعو الأزياء الجاهزة، وتجار التجزئة الفاخرون بشأن شينجيانغ، على الرغم من أن تلك القضايا الأخلاقية قد يكون لها تداعيات على قيمة العلامة التجارية.
ولكن ما يهم ما هو تفعله الحكومات لدعم الطلب المحلي أو السيطرة على سلاسل التوريد، ولا أظن أن القرارات ستبدأ تتمحور بدرجة أقل حول حسابات التكلفة والفعالية البسيطة، وأكثر حول مناقشة أوسع بشأن التنافسية الوطنية.
بقلم: رنا فوروهار، كاتبة عمود رأي لدى “فاينانشيال تايمز”.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.