يبدو أن الأسواق فهمت الوباء بشكل صحيح، ومهد انهيار الأسهم نتيجة إغلاق الاقتصادات، الطريق لارتفاع قوي، ووضع المستثمرون ثقتهم في مزيج الأمصال وقدرة الشركات على التكيف ومحفزات البنوك المركزية، ويجري حاليا برامج تطعيم ضخمة في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الدول التي تقدمت على صعيد التطعيمات مثل إسرائيل وبريطانيا أعيد فتح الاقتصادات وبدأ العملاء التدفق على المتاجر والمطاعم.
وانتشر الفيروس نتيجة طبيعتنا الاجتماعية. ولكن الأسواق لديها خصلة – بشرية بنفس القدر – وهي البراعة، يشمل ذلك شركات التكنولوجيا التي كانت أسهمها من بين أكبر الفائزين لأنها تمكنت من الإبقاء على استمرار الأعمال أثناء عمليات الإغلاق، وسمحت نماذج الأعمال الجديدة للمتسوقين بمواصلة الإنفاق.
وتكيف الآخرون أيضاً، وأصبحت عمليات الإغلاق أقل ضرراً، وكان الابتكار الصيدلاني أكثر أهمية، ومن المحتمل أن يكون إجراء أبحاث عن اللقاحات وتطويرها من بين أكبر العوائد على الاستثمار لأي نشاط بشري إذ إن الإنتاج يعجل بإنهاء الإغلاقات، وما يصاحبها من تكاليف اقتصادية.
ويتمثل التحدي التالي – السياسي وليس العلمي – في ضمان وصول حصة كافية من الأمصال إلى الدول الفقيرة، التي لديها قليل من الخبرة في التعامل مع الأوبئة، وهو ما دفع صناع السياسة إلى تذكر الأزمة المالية العالمية وما تحمله من ذكريات لما كان بالنسبة للعديد من البلدان “عقدًا ضائعًا” من التحسن الهزيل في مستويات المعيشة، ودفع البنوك المركزية والحكومات إلى فتح أبواب التيسير السياسي على مصراعيها.
وكان التحفيز النقدي والمالي غير المسبوق ملحوظاً لسرعته وحجمه مقارنة بالاستجابة في عام 2008، ما قلل من الأضرار طويلة المدى.
وغذى الإنفاق الهائل في أمريكا، على وجه الخصوص، الارتفاع في الأسهم، كما سمحت شيكات التحفيز للمستثمرين الأفراد بالمشاركة في السوق، ومع ذلك فإن ادعاء النصر سيكون خطأ، وكان الوباء قصة انتكاسات، والبلدان التي بدا فيها الفيروس في السابق تحت السيطرة وجدت نفسها مكتسحة مثل ألمانيا – التي أشيد بها لاستجابتها المبكرة ولكنها تكافح الآن موجة ثالثة – أو أوروبا الشرقية، التي كانت في البداية أقل تأثرا من أي مكان آخر ولكنها الآن من بين أكثر المناطق تضرراً.
واضطرت دول أخرى أعادت فتح اقتصادها إلى إغلاقها سريعاً مع انتشار موجة جديدة، وفي 2009، ارتفع المؤشر الأمريكي الرئيسي بنسبة 66% في الـ12 شهر اللاحقة لتراجعه لأدنى مستوى.
ولكن تطلب الأمر وقتاً أطول وأزمات متتابعة في منطقة اليورو قبل أن تتعافى الاقتصادات بالكامل.
ومن غير المرجح أن يشعر المستثمرون الذين دخلوا مبكراً في موجة الصعود بالندم، وساعدت الأموال الرخيصة على دعم عقد كامل من السوق الصاعدة، وهذه المرة كان التعافي مشابهاً مع تعلم المستثمرين أن هناك القليل من المكاسب عند الوقوف في وجه التيسير الكمي.
ويبقى السؤال الكبير يتعلق بتوقعات التضخم.
وهناك القليل من العلامات على أن الاقتصادات تعود لقدرتها الانتاجية بعدما أبقت البنوك المركزية في أعقاب الأزمة المالية على انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع مشتريات الأصول، ما أغدق السوق بالسيولة، ولكن التعافي الأقوى من الوباء بفضل مزيج المحفزات الحكومية وإنفاق الأسر التي راكمت مدخرات قد يقود إلى بدء ارتفاع الأسعار والأجور مجدداً، وحينها يمكن أن تسحب البنوك المركزية الدعم أيضاً.
وألحق الوباء أضراراً كذلك بسلاسل التوريد، ما تسبب في زيادة ضغوط الأسعار، وأدى النمو القياسي في الربع الأول في الصين – حيث التعافي في مرحلة أكثر تقدماً – إلى تحويل التركيز نحو احتمالية “خروج التضخم عن السيطرة” ورفع أسعار الفائدة.
وتعد نهاية عصر “التضخم المنخفض” المستمر في العقد التالي للأزمة المالية نتيجة أفضل بكثير للعالم أجمع.. ولكنها تعني أيضاً أن الأسواق تفوقت على نفسها.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية