لدى وزارة الخزانة الأمريكية تحذير للعالم الناشئ: لقد فقد نموذج “شق طريقك نحو الازدهار من خلال التصدير” شعبيته.
وكان يُعتقد في السابق أنه في مصلحة الولايات المتحدة – كطريقة للحصول على سلع رخيصة وفيرة – ولكن يواجه نموذج التنمية هذا الآن مزيداً من التدقيق.
ومن المفترض أن تكون الرسالة الموجهة إلى آسيا مسموعة وواضحة، حتى لو نجحت بعض الاقتصادات في الإفلات من تصنيف المتلاعب بالعملة الأسبوع الماضى.
وفي تقييمها نصف السنوي لسياسات صرف عملات الشركاء التجاريين، توقفت وزارة الخزانة عن تصنيف تايوان وفيتنام وسويسرا كمتلاعبين بالعملة رغم استيفائهم للمعايير.
وفي الأوقات العادية، كان من الممكن أن يتم وسمهم برمز المتلاعب بالعملة لإبقاء عملاتهم منخفضة بشكل متعمد.
لكن المسئولين في الوزارة الأمريكية لم يتمكنوا من تحديد ما إذا كانت ممارساتهم غير المثالية قد تم القيام بها للحصول على ميزة تجارية، أو لمجرد دعم الأسواق والتخفيف من الركود، فقد أدى الوباء إلى انحراف تدفقات رأس المال على مستوى العالم، واستجابت العديد من البلدان – ومن بينها الولايات المتحدة – بتدابير مشابهة، وأفلت الثلاثي هذه المرة من التصنيف في إشارة إلى النهج الأكثر ليونة عن حكومة ترامب التي وصفت هانوي وبرن بالمتلاعبين، وألقت باللوم على مجموعة أخرى، بما في ذلك الهند وتايلاند وسنغافورة وكوريا الجنوبية.
وعند استحداثه في أواخر الثمانينيات، كان يُنظر إلى تقرير وزارة الخزانة بشكل أساسي على أنه يستهدف اليابان، وبمرور الوقت، تحول التركيز إلى الصين، المنافس الاستراتيجي والتجاري التالي، الذي تلعب سلطاته دورا كبيرا في إدارة العملة.
وتبحث تلك التقارير أيضا الفائض التجاري الثنائي، وإذا كانت الفجوة لا تقل عن 20 مليار دولار على مدى 12 شهرًا، فهذه علامة ضدك، وإذا استمر ذلك لثلاث سنوات متتالية ستكون متلاعب بالعملة، أما إذا استمر لعامين، فإن ذلك يضعك على ما يسمى بقائمة المراقبة، وهذه هي الطريقة التي يتم بها مراقبة أصدقاء مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وإيطاليا وسنغافورة وتايلاند وماليزيا واليابان والهند (الصين على القائمة الآن).
تضمن أحدث تقريرين مراجعة لتاريخ التنمية لبعض الشركاء التجاريين على مدى العقود القليلة الماضية، وبحثا كيف اجتذبت هذه الاقتصادات التصنيع من الخارج ورسخت نفسها في مكانة مهمة في سلاسل التوريد العالمية؟
وتصف هذه التقارير بإنصاف كيف خرجت الاقتصادات الآسيوية من الفقر من خلال جذب الاستثمار الأجنبي المباشر (غالبًا بفضل العمالة منخفضة التكلفة، ولكن أيضا الإعفاءات الضريبية)، والالتزام بتحديث البنية التحتية والقرب من الأسواق الكبيرة، وهو ما دفع الشركات متعددة الجنسيات، العديد منها يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة، إلى وضع موطئ قدم لها في المنطقة، ولأن الدول الآسيوية سريعة التحول إلى التصنيع كانت تعتمد بشدة على التجارة، فلم تحبذ أسعار الصرف مرتفعة القيمة، ونظراً لأن الوجهة النهائية لهذه البضائع كانت رفوف المتاجر في كاليفورنيا أو خطوط المصانع في الغرب الأوسط، كان من السهل على المسئولين والسياسيين غض الطرف عن قيمها، ولكن تآكل هذا النموذج في المناخ السياسى.
ما هو الثمن الذي تفرضه الولايات المتحدة لمحاولة إثناء المتلاعب بالعملة؟
إن نهجها لين بعض الشىء. وإذا تم تحديد دولة كمتلاعب، لا ينطوى القرار على عقوبات فورية، ويشترط القانون على وزارة الخزانة التعامل مع المتلاعبين لمعالجة هذه المسألة، ويمكن تطبيق العقوبات، بما في ذلك الاستبعاد من عقود الحكومة الأمريكية بعد عام ما لم تتم إزالة التصنيف، ويمكن أيضاً استخدام القانون كعصا من قبل الوكالات الأخرى التي لها أولوياتها ودوائرها المستهدفة.
وفي العام الماضي، حقق مكتب الممثل التجاري الأمريكى فيما إذا كانت هناك حاجة إلى تدابير لتصحيح التقييمات الرخيصة لعملة فيتنام “الدونج”.
ومن خلال عدم القيام بأي شيء هذه المرة، تخاطر وزارة الخزانة بتشجيع السلوك الذي تسعى إلى تغييره، وألمحت تايوان إلى المعضلة الشهر الماضي عندما قال محافظ البنك المركزي، يانج تشين لونج، إن فائضها التجاري الكبير مع الولايات المتحدة يرجع إلى الطلب القوي على أشباه الموصلات، وليس أي ميزة غير عادلة من التدخل في العملة. وقال يانغ مازحاً للمشرعين: “إذا كانوا يريدون تقليل الفائض التجاري معهم ، فيمكننا التوقف عن بيعهم رقائقنا..لكنهم بحاجة إليهم!”
قد يكون يانج على حق، لكن بالنسبة لتايوان – الخاضعة دائما لسيناريوهات لعبة الحرب القائمة على هجوم صيني محتمل – فإن قوة الصداقة الأمريكية لا ينبغي اختبارها.
وهنا تعد تجربة فيتنام مفيدة، وتحولت الدولة من تجسيد لنقل سلاسل التوريد في فترة الحرب التجارية من الصين، إلى إثارة الانتقادات من الأصوات القوية في القطاع الصناعي والحكومة في الولايات المتحدة والتي تشعر بالقلق من إضعافها لتنافسية المنتجين الأمريكيين.
وعبر تقرير وزارة الخزانة في ديسمبر عن شكل هذا التطور، وبالنسبة لدولة اعتقدت أنها ستستفيد من هروب قطاع التصنيع من الصين – الأمر الذي أراده ترامب – كانت تحول القطاع لفيتنام بمثابة تجربة واقعية.
ولن يكون من الحكمة أن تعتبر فيتنام، وغيرها من المصنفين كمتلاعبين بالعملة سابقاً، نفسها نجت من التصنيف للأبد لمجرد أن جانيت يلين تراجعت هذه المرة، والمنطقة الرمادية مهمة.
وإذا كنت تعتقد أن كل شيء في واشنطن يتعلق بالصين، فإن التقريرين الأخيرين لوزارة الخزانة يوحيان بخلاف ذلك، فقد ذهبا إلى ما هو أبعد من المبادئ التوجيهية اليومية لتداول اليوان، إلى وضع إطار عمل التنمية الاقتصادية الجديد تحت المجهر، وسيبدأ الاختبار الحقيقي عندما تنحسر اضطرابات “كوفيد”.
بقلم: دانيال موس، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج” يغطي الأسواق الآسيوية.
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.