رغم ديناميكيتها المفترضة، فإن الأسواق الناشئة غالباً ما تكافح للهروب من ماضيها، فقبل بضعة أشهر فقط، كان المستثمرون يشعرون بالقلق من تحول عام 2021 إلى مجرد تكرار لأحداث عام 2013، عندما أدى ارتفاع عائدات السندات في الولايات المتحدة إلى عمليات بيع حادة في الأسواق الناشئة، والتي عرفت آنذاك باسم “نوبة الغضب”.
لكن الآن، يشعر المستثمرون بالقلق من أن يكون عام 2021 تكراراً قاتماً للعام الماضي، إذ تنتشر موجة أخرى أكثر فتكاً من عدوى “كوفيد- 19” عبر البرازيل والهند وأماكن أخرى في العالم.
ولإعطاء شكل لهذه المخاوف، كان المحللون منشغلون في تحديد قوائم تضم أكثر الدول هشاشة، بناء على عوامل عديدة، بداية من التضخم وحتى معدلات الإصابة بوباء كورونا، حسبما نقلت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
لقد كانوا يبحثون عن خلفاء هذا العام لـ “الخمسة الهشة”- البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا- فتلك الدول تضررت بشدة من نوبة الغضب التدريجي قبل ثمانية أعوام.
ولذا من الجدير بالملاحظة أن الرجل الذي أطلق هذا الاسم على الخمس دول الأصلية، وهو جيمس لورد من بنك “مورجان ستانلي”، اختار هذه اللحظة التي من شأنها التحول إلى “صعود صريح” لبعض أصول الأسواق الناشئة، كما أنه طلب من عملائه “شراء السندات المحلية”.
لكن ما الذي يفسر هدوء لورد في مواجهة مثل هذه الكارثة؟
لا يمكن إنكار هذه الكارثة في النهاية، خاصة أن موجة الوباء الثانية في الهند مرعبة لكنها ليست فريدة من نوعها، كما أن الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وتركيا سجلت ارتفاعاً قياسياً في أعداد الإصابات الجديدة في الفترة الأخيرة.
وخفض بنك “جي.بي مورجان تشيس” توقعاته للنمو الاقتصادي في الهند والبرازيل مؤخراً، بعد خفض التوقعات السابقة للفلبين وجزء كبير من أوروبا الوسطى. ويتوقع البنك الآن نمو الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة (باستثناء الصين) بنسبة 5.9% هذا العام، وهذا بالكاد أسرع من وتيرة النمو المتوقعة للأسواق المتقدمة البالغة 5.7%، كما أنها أعلى بنسبة 1% فقط مما كان عليه الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة في عام 2019.
ولكن حتى مع تكرار موجة “كوفيد- 19″، فإنَّ نوبة غضب لم تتبع نفس النهج، فقد توقف العائد على السندات الحكومية الأمريكية لأجل 10 أعوام عن الارتفاع وانخفض مرة أخرى إلى ما دون 1.6%، رغم البيانات القوية المتعلقة بالوظائف والإسكان والتصنيع ومبيعات التجزئة في الاقتصاد الأكبر والأكثر ازدهاراً في العالم. كما أن العائد “الحقيقي” على السندات المحمية من التضخم يبلغ الآن -0.7%، وهو نفس ما كان عليه في نهاية فبراير الماضي.
وأشارت “ذي إيكونوميست” إلى أنه إذا ظل سوق السندات الأمريكية على هذا النحو- أي أن أدائه جيد- في الأشهر المقبلة ، فسيجد المستثمرون الأجانب صعوبة أكبر في مقاومة المكافآت الأكثر تواضعاً التي تقدمها السندات المقومة بالراند أو الروبية.
وفي الواقع، يتمثل أحد أسباب انحسار نوبة الغضب في عدم ظهور الفيروس، ففي ظل بدء الوباء في مقاطعة التعافي الاقتصادي للعالم الناشئ، من المؤكد أن بنوكه المركزية لن تقلق بشكل كبير بشأن أي ضغوط تضخمية متصاعدة.
ويعتقد بنك “مورجان ستانلي” أن البنوك المركزية في البرازيل وروسيا والمكسيك تأتي ضمن دول أخرى لا يرجح لها أن ترفع أسعار الفائدة بالحدة التي تتوقعها الأسواق الآن.
كما أن الانتعاش المتأخر يعتبر أمراً سيئاً بالنسبة للاقتصادات الناشئة، لكنه ليس بالضرورة سيئاً بالنسبة لصحيفة حكوماتها، فعادةً ما يكون أداء السندات جيداً عندما يكون النمو بطيئاً وعندما تكون البنوك المركزية متشائمة، كما يشير المحلل لورد.
ومع ذلك، فهو يعترف بوجود خطرين لهذا الرأي، أولهما يدور حول أن عائدات السندات الأمريكية بدأت في الارتفاع مرة أخرى في وقت أقرب مما يتوقع.
وهناك خطر ثاني يتمثل في أن التعافي المتأخر في اقتصاد ناشئ كبير يتحول إلى شيء أسوأ، الأمر الذي يخيف بدوره المستثمرين ويثير المخاوف بشأن الجدارة الائتمانية للحكومة، وفي هذه الحالة، سينخفض سعر السندات المحلية وترتفع العوائد، حتى في حالة عدم وجود أي تهديد بالتضخم.
وفي العالم الغني، يتدفق الناس على سندات حكوماتهم حتى في أسوأ الأوقات، أما في العالم الناشئ، فيقوم المستثمرون للأسف بالمثل، حيث يتدفقون على أصول الدول الغنية ويتخلون عن أصولهم، وهذه طريقة أخرى تظل فيها الاقتصادات الناشئة أسيرة ماضيها.