“الصين سوف تشيخ، قبل أن تصبح غنية” هى واحدة من الجمل التى يحب الناس قولها فى المؤتمرات، وعادة ما يتبعها توقف درامى عن الحديث، وتعنى أن صعود الصين إلى الهيمنة العالمية سيصطدم قريبا بحاجز عملاق: التركيبة السكانية.
ويعنى انخفاض معدل الخصوبة فى الصين أن عدد سكانها سيتقلص ويتقدم فى العمر خلال العقود القادمة، وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضى أن عدد سكان الصين بدأ بالفعل فى الانخفاض قبل بضع سنوات من توقعات الأمم المتحدة، ولقد كان عدد السكان الكبير والمتزايد والشباب هو الدافع وراء صعود الأمم فى جزء كبير من تاريخ البشرية.
لكن تقلص عدد السكان وشيخوختهم قد لا يكون لهما نفس الآثار القاتمة فى القرن الحادى والعشرين، ومن غير المرجح أن تُحسم صراعات القوى العظمى فى المستقبل من خلال المعارك البرية الواسعة، وفى الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، لعبت الطائرات بدون طيار دورا حاسما فى ساحة المعركة.
وخفضت المراجعة الاستراتيجية البريطانية الأحدث مخصصات الجيش، بينما استثمرت بكثافة فى التكنولوجيا، وإذا كانت البراعة التكنولوجية، بدلا من جحافل الشباب، هى مفتاح القوة المستقبلية، فإن الصين فى وضع جيد إذ تمتلك الدولة قدرات متطورة فى مجالات مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعى، وفى ظل عدد سكانها البالغ 1.4 مليار شخص – ومن المرجح أن ينخفض بشكل طفيف حتى منتصف القرن – لن تعانى الصين من نقص فى القوى العاملة أيضا.
ولكن التحدى الحقيقى فى هيكل سكان الصين وليس حجمهم، فبحلول عام 2040، سيكون حوالى 30% من السكان فوق الستين من العمر، وسيتعين على السكان الأقل فى سن العمل دعم المزيد من كبار السن، ما قد يؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى.
وقد لا تحقق الصين أبدا مستويات الثروة للفرد كما فى الولايات المتحدة، ولكن حتى لو كان متوسط ثراء الصينيين نصف ثراء المواطن الأمريكى العادى، فإن الاقتصاد الصينى سيتفوق بسهولة على الاقتصاد الأمريكى فى الحجم الإجمالى، وستفقد الصين قريبا لقبها كأكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان، وأصبح عدد سكان الهند والصين متكافئان تقريبا.
ولكن بحلول نهاية القرن، تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان الهند سيكون 1.5 مليار نسمة مقارنة بمليار شخص فى الصين، و”تشير بعض الدراسات الأكاديمية الأخرى إلى أن عدد سكان الصين فى عام 2100 سيقل عن 800 مليون”، لكن الاقتصاد الهندى لا يزيد عن خُمس حجم الاقتصاد الصينى، لذا فإن فجوة الثروة والسلطة بين البلدين لن تنغلق بسرعة.
وتسارعت وتيرة الركود السكانى فى الصين بسبب سياسة الطفل الواحد، التى تم إلغاؤها فى 2015، ومع ذلك، تعد الاتجاهات الديموغرافية الصينية نموذجية إلى حد ما فى شرق آسيا، وبلغ عدد السكان اليابانيين ذروته عند 128.5 مليون فى عام 2010 وهو الآن فى انخفاض، وتتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد سكان اليابان 75 مليون نسمة بحلول نهاية القرن، والاتجاهات فى كوريا الجنوبية متشابهة، كما تشهد أجزاء من أوروبا تقلص وشيخوخة السكان، وبدأ عدد سكان إيطاليا فى الانخفاض بالفعل.
ويتباطأ النمو السكانى كذلك فى الولايات المتحدة، ويُظهر آخر تعداد سكانى أن عدد سكان أمريكا يبلغ الآن 331.5 مليون نسمة لكنه ينمو بأبطأ معدل له منذ الثلاثينيات، ويتوقع علماء الديموغرافيا أن أمريكا، مثل أوروبا وشرق آسيا، ربما تتصارع قريبا مع مشاكل شيخوخة السكان، وبشكل عام، من المتوقع أن يستمر عدد سكان العالم فى النمو من 7.8 مليار اليوم إلى ما يقرب من 11 مليار بحلول عام 2100 – مع معظم النمو فى إفريقيا وجنوب آسيا.
وسيستمر التوزيع السكانى فى تشكيل السياسة العالمية، كما فعل دائما، لكن العلاقة التاريخية بين تزايد عدد السكان والشباب وزيادة القوة الوطنية تفسح المجال لشئ أكثر تعقيدا، قد يكون الانقسام الأكثر أهمية الآن بين البلدان الغنية والمتوسطة الدخل – حيث يكون عدد السكان ثابتا أو متراجعا – والبلدان الأفقر، حيث يتوسع عدد السكان بسرعة.
وبدون ضبط، سيكون الميل الطبيعى هو هجرة جماعية من جنوب الكرة الأرضية إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا، لكن سكان شرق آسيا أقل انفتاحا حاليا على الهجرة من الغرب، ورغم أن عدد سكان اليابان قد ينخفض إلى النصف تقريبًا بحلول عام 2100، إلا أن اليابانيين يتمسكون بالتجانس الاجتماعى.
ومن المحتمل أن تتخذ الصين، التى لديها وجهة نظر قائمة على الأساس العرقى للمواطنة، خيارات مماثلة، وعلى النقيض، ورغم الخلافات السياسية الحالية حول الهجرة فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، من المرجح أن يظل الغرب مفتوحا نسبيا للمهاجرين.
ونتيجة لذلك، ستكتسب المجتمعات الغربية ديناميكية اقتصادية، لكنهم قد يفقدون أيضا الاستقرار السياسى إذ أن رد الفعل العنيف ضد الهجرة ساعد فى ظهور سياسيين مثل دونالد ترامب، ولن يكون السؤال الكبير للجغرافيا السياسية هو من لديه أكبر عدد من السكان، ولكن ما إذا كانت الصين أو الغرب قد اتخذ الموقف الصحيح بشأن الهجرة الجماعية.
بقلم: جيدوين راتشمان، كاتب مقالات رأى يغطى الشئون الخارجية فى “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”