العديد من المنتجين غير قادرين على توفير المواد قبل نهاية العام
حذر المسئولون التنفيذيون فى قطاع البناء بمختلف أنحاء أوروبا، من أن الارتفاع الكبير فى الأسعار ونقص العديد من مواد البناء يهدد بتقويض برنامج التحفيز الاقتصادى فى الاتحاد الأوروبى الذى تبلغ قيمته 800 مليار يورو.
يولد قطاع البناء فى الاتحاد الأوروبى نحو %10 من الناتج الاقتصادى للكتلة وتشكل مشاريع البنية التحتية الضخمة نسبة كبيرة من صندوق الإنعاش الاقتصادى فى بروكسل، الذى سيوزع المنح والقروض لإعادة بناء اقتصادات الدول الأعضاء بعد جائحة كورونا.
لكن أسعار مواد البناء، بداية من الصلب والخشب إلى الخرسانة والنحاس، بدأت فى الارتفاع بشكل حاد فى الأسابيع الأخيرة، حيث أدى الانتعاش الاقتصادى فى كل من أوروبا وأماكن أخرى، مثل الولايات المتحدة والصين، إلى حدوث طفرة فى قطاع البناء.
وفقاً لاتحاد صناعة البناء الأوروبى (FIEC)، ارتفعت أسعار البيتومين بنسبة %15 فى 3 أشهر فقط، وارتفعت أسعار الأسمنت بنسبة %10 فى شهر واحد فقط، فى حين ارتفعت أسعار الخشب بنسبة تزيد على %20.
وعادة ما تفرض مشاريع البنية التحتية العامة عقوبات على شركات البناء بسبب التأخيرات، بينما يتعين على المقاولين فى أحيان كثيرة تحمل تكلفة الزيادات غير المتوقعة فى الأسعار، بحسب صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وحذر دومينيكو كامبوغراندى، المدير العام لاتحاد صناعة البناء الأوروبى، من أن ارتفاع الأسعار والتأخيرات الإضافية قد تؤدى إلى إضعاف تأثير أموال الاتحاد الأوروبى.
ويقول كامبوغراندي: «الخطر يكمن فى خطة الانتعاش الكبيرة فى الاتحاد الأوروبى، لكن إذا خُصص %30 إلى %40 من هذه الأموال فى أدوات مالية إضافية لتغطية الأسعار المرتفعة، فسيكون هذه هراءاً حقيقاً لأن تلك الأموال لن تُضخ فى الاقتصاد الحقيقي».
فى خطاب حديث إلى المفوضية الأوروبية، أعرب اتحاد صناعة البناء الأوروبى عن انزعاجه من ارتفاع الأسعار ونقص المواد، فهذه الظاهرة تهدد مساهمة قطاع البناء فى الانتعاش الاقتصادى وتهدد التأثير المحتمل لبرامج الانتعاش الأوروبية.
فى إيطاليا، وهى المستفيد الأكبر من أموال التحفيز القادمة من بروكسل، تخطط الحكومة لإنفاق أكثر من 100 مليار يورو من أموال الاتحاد الأوروبى على تشييد بنية تحتية جديدة خلال الخمسة أعوام المقبلة، لكن التحذيرات أثيرت حول مكافحة قطاع البناء للارتقاء إلى مستوى التحدى دون إصلاحات كبيرة.
قال فلافيو مونوسيليو، مدير الأبحاث فى اتحاد شركات البناء الإيطالية «إيه.إن.سى.إي»: «إننا نواجه نقصاً فى العديد من المواد الأساسية للبناء وهذا خطير للغاية، حيث تتعرض إيطاليا لضربة أقوى من بقية أوروبا».
وأشار مونوسيليو إلى أن هذه الأزمة تقع فى قلب خطة التعافى الجديدة للاتحاد الأوروبى، ويلقى المسئولون التنفيذيون فى قطاع البناء باللوم على عدة عوامل فى تلك الاختناقات، بما فى ذلك الانتعاش الحاد فى الطلب الذى فاق المعروض من المواد فى دول عديدة، فضلاً عن اضطراب سلاسل التوريد المرتبط بالوباء واستمرار التوترات التجارية.
ويقول توماس بيرتل، الرئيس التنفيذى لمجموعة البناء النمساوية «ستراباج»، إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير فى الأسبوعين الماضيين، وكان على الشركة الإبلاغ عن التأخيرات فى مواقع البناء الفردية لأن المواد ببساطة لم تعد متوفرة.
فى ألمانيا، أبلغت %44 من شركات البناء، التى خضعت لاستطلاع أجراه معهد إيفو الألمانى فى مايو، عن وجود مشاكل فى شراء المواد فى الوقت المحدد، بزيادة على أقل من %6 فى مارس.
قال فيليكس ليس، من معهد إيفو: «لم نشهد عنق زجاجة مماثل لهذا منذ عام 1991، ومن الواضح أن هذا الأمر تسبب فى تباطؤ نشاط البناء فى أبريل، بشكل مؤقت على الأقل».
انخفض الإنتاج فى صناعة البناء الألمانية بنسبة %4.3 فى أبريل مقارنة بمارس، رغم أن الشركات فى القطاع أبلغت عن تسجيل طلبيات قياسية متراكمة بلغت قيمتها 62 مليار يورو فى مارس.
دعا بعض السياسيين الألمان برلين إلى السعى إلى فرض قيود مؤقتة على صادرات الاتحاد الأوروبى من الأخشاب والمواد الأخرى.
من المتوقع أن تظل الضغوط مرتفعة فى الأشهر المقبلة، فى ظل استعداد الحكومة الأمريكية لإطلاق برنامج بنية تحتية بقيمة 1.7 تريليون دولار، وتوقعات اكتساب الانتعاش الاقتصادى العالمى زخماً.
ويقول كامبوغراندى، من اتحاد صناعة البناء الأوروبى، إن الأمر سوف يستغرق وقتاً للعودة إلى طبيعته، على الأقل حتى نهاية العام.
وأوضحت «فاينانشيال تايمز»، أن بعض الدول، مثل فرنسا وألمانيا، استجابت من خلال تخفيف القواعد على بعض عقود البناء فى القطاع العام، والتنازل عن رسوم التأخير وتعويض المقاولين عن الزيادات غير المتوقعة فى الأسعار.
وأشار مونوسيليو، من «إيه.إن.سى.إي» إلى أن روما لم تقدم بعد أى إغاثة للقطاع الذى تضرر بسبب تراجع الاستثمار فى البنية التحتية العامة الذى استمر 10 أعوام فى ونقص التمويل المقدم من البنوك والتأخيرات الطويلة فى الموافقات على المشروعات ومدفوعاتها.
وأوضح رئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى، أن مصير البلاد يعتمد على نجاح حزمة استثمارات وإصلاحات بقيمة 248 مليار يورو، ممولة فى الغالب عبر خطة التعافى والمرونة التابعة للاتحاد الأوروبى.
جدير بالذكر، أن دول الاتحاد الأوروبى لديها سجل ضعيف فى توزيع الأموال فى الأعوام الست حتى عام 2020، فقد أنفقوا فى المتوسط ما يزيد قليلاً على نصف الأموال التى خصصتها لهم بروكسل.
وبدون الإصلاحات اللازمة لمعالجة مشاكل قطاع البناء الإيطالى، فإن مشكلات مماثلة يمكن أن تفسد جهود إنفاق التعافى التابعة للاتحاد الأوروبى، وفقاً لمونوسيليو.