انتشرت الكآبة الاقتصادية بشكل كبير فى المكسيك منذ فوز أندريس مانويل لوبيز أوبرادور بالانتخابات الرئاسية فى عام 2018، لدرجة أن موجة التفاؤل الأخيرة بشأن آفاق النمو فى البلاد تبدو وكأنها شعاع من أشعة الشمس يخترق الغيوم.
فى أكتوبر الماضى، كان صندوق النقد الدولى يتوقع نمو اقتصاد المكسيك بنسبة %3.5 فقط عام 2021 بعد انكماش معدل موسمى بنسبة %8.5 العام الماضى أثناء الوباء.
ومع ذلك، مع انفتاح الاقتصاد سريعاً، تظل الإصابات بفيروس كورونا منخفضة، وتنتشر آثار الحوافز الأمريكية العملاقة عبر الحدود، ويرى العديد من خبراء الاقتصاد والمصرفيين، الآن، أن المكسيك تتوسع بمعدل الضعف تقريباً.
قال ماركوس كاسارين، كبير الاقتصاديين فى المنطقة لدى «أكسفورد إيكونوميكس»، إن الجمع بين إعادة الفتح المستمرة والتحويلات المالية القوية والانتعاش العالمى الذى تقوده الولايات المتحدة قد سمح للمكسيك بسد الفجوة الناشبة مع اقتصادات أمريكا اللاتينية الأخرى، والتفوق على تلك الاقتصادات فى النصف الأول من عام 2021.
يُظهر مؤشر تتبع التعافى التابع لـ «أكسفورد إيكونوميكس» أن المكسيك تعود إلى مستويات نشاط ما قبل الجائحة بسرعة أكبر من أى بلد فى أمريكا اللاتينية، حسبما نقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وقال وزير المالية السابق والأكاديمى كارلوس أورزوا، إن المكسيك ستسجل نمواً اقتصادياً يبلغ %6.0 هذا العام وقد تكون النسبة أعلى من ذلك.
وأشار إلى الآثار غير المباشرة للتحفيز المالى الأمريكى وزيادة التحويلات من المكسيكيين العاملين عبر الحدود، إذ يمكن أن تصل قيمة هذه التحفيزات والتحويلات إلى 55 مليار دولار هذا العام، وهى أكثر أهمية بكثير من البترول.
ومع ذلك، قلة من الاقتصاديين يعتقدون أن طفرة النمو المستوحاة من الولايات المتحدة هذا العام تبشر بفجر جديد مشرق للمكسيك، إذ يقول المصرفيون والاقتصاديون إن هذا التوسع يرجع بالكامل تقريباً إلى سياسات الرئيس الأمريكى جو بايدن، وليست سياسات لوبيز أوبرادور.
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن أكبر المستفيدين من حزم التحفيز الأمريكية هم شركات التصنيع الموجهة للتصدير فى شمال البلاد وصناعة السياحة، فى حين أن الشركات التى تخدم السوق المحلية تكافح مع انخفاض الطلب.
وقال أحد صانعى الصفقات الذى يدير صندوق استثمارى فى البلاد: «المكسيك ستنمو بنسبة %6 هذا العام، سواء شاءت ذلك أم لا، وستنمو بشكل جيد أيضاً فى عام 2022. هذا ليس المقصود، بل إن الأمر الأهم هو ما سيحدث بعد عام 2023».
تعتبر الصورة وردية بشكل أقل، فهناك شكوى شبه عالمية فى مجتمع الأعمال تتمثل فى هروب الأموال الأجنبية التى ينبغى أن تأتى إلى المكسيك للاستفادة منها بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. كان هذا الهروب ناتجاً عن خطاب لوبيز أوبرادور العدائى، والهجمات المستمرة على المنظمين والقضاء، وإعلانات سياسته غير المتوقعة وتفضيله للشركات المملوكة للدولة.
ورغم تركيز حكومته على البرامج الاجتماعية لمساعدة الفقراء، يتميز لوبيز أوبرادور عن غيره من الشعبويين برفضه الشديد لزيادة الاقتراض للسماح بمزيد من الإنفاق.
عن ذلك، يقول المقربون من الرئيس المكسيكى، إن نفوره من الديون ينبع من اقتناعه بأن الحكومات المكسيكية التى كان يشعر بإعجاب كبير تجاهها فى الستينيات والسبعينيات، أصيبت بالشلل بسبب الإفراط فى الاقتراض.
وحتى فى خضم الوباء، كان لوبيز أوبرادور أحد الرؤساء القلائل فى العالم الذين رفضوا الاقتراض الإضافى لتخفيف المعاناة، رغم حقيقة أن المكسيك لديها الحيز المالى اللازم للقيام بذلك.
وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، قال الرئيس التنفيذى لأحد البنوك المكسيكية، إن لوبيز أوبرادور بحاجة للترويج لاستثمارات القطاع الخاص، الذى يمثل %86 من إجمالى استثمارات المكسيك.
وتابع: «لا توجد طريقة للنمو بدون استثمار خاص، وهذا الرفض للاستثمار الخاص يجب أن يتوقف».
أما فيما يخص تعافى المكسيك، قال هذا المسئول التنفيذى، إن «النمو بنسبة %6 هذا العام و%3.5 العام المقبل ليس سحراً، بل إنه مجرد حالة خمول».