في ظل ارتفاع أسعار البترول بشكل كبير فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل الذي سجلته قبل الوباء، ينبغي أن تنتعش روح التدافع لمستثمري قطاع السلع الأساسية، ومن المؤكد أن متداولي البترول متحمسون هم والمديرين التنفيذيين ومديري صناديق التحوط الذين يتوقعون أن العودة إلى حقبة 100 دولار للبرميل قد لا تكون بعيدة.
ووصل سعر خام برنت القياسي الدولي إلى 74 دولاراً للبرميل هذا الأسبوع، في حين لامس الخام الأمريكي 72 دولاراً، وأدى نقص الاستثمار إلى تقييد المعروض في القطاع قبل ذروة الطلب.
ويشير متداولو البترول الخام إلى التوقعات بحدوث طفرة ما بعد الجائحة في السفر والاقتصاد الأوسع نطاقاً، وهو ما قد يؤجج الطلب على المادة السوداء بغض النظر عن الأهداف طويلة المدى للسياسيين للتعافى بشكل أفضل – وأكثر اخضراراً.
لكنَّ مديري الصناديق والاستثمارات الذين يتداولون في شركات البترول وليس في أسعار البترول، ما زالوا يبدون وكأنهم في سبات عميق، على الأقل مقارنة بنظرائهم الذين يستثمرون في العقود الآجلة للبترول أو الأسواق المادية للشحنات.
وإذا ألقينا نظرة أعمق على التفاؤل بصعود الأسعار بين أولئك الذين يتداولون البترول نفسه، فسرعان ما يتضح سبب عدم تفاؤل مديري الصناديق الذين يفضلون التداول في الشركات، من “شركات النفط الكبرى” إلى الشركات الناشئة الصخرية.
وتكمن المشكلة في أن سوق البترول، بمعاييره الخاصة، لا يزال يسير في طريق مجهول إلى حد كبير، وفي الأوقات الطبيعية قبل الوباء، كان القطاع جيداً جداً في التنبؤ بالمكان الذي سيكون فيه العرض والطلب تقريباً في أي شهر معين، وتميل المناقشات إلى التركيز على ما إذا كان الطلب أو العرض سيكون أعلى أو أقل ببضع مئات الآلاف من البراميل يومياً.
ورغم أن هذا كان كافياً لتوقع ارتفاع الأسعار أو هبوطها، فإنَّ زيادة أو نقص المعروض كانا حقاً قطرة في محيط سوق عالمى يضم 100 مليون برميل في اليوم، لكن منذ الربيع الماضى، اضطرت سوق البترول أن يتعلم كيف يتكيف مع تقلبات هائلة، وانخفض الطلب في العام الماضي بمقدار 10 ملايين برميل في اليوم على مستوى العالم.. لكنه يعود سريعاً الآن، ويتقبل المتداولون الحديث عن زيادات قدرها مليون برميل في اليوم أو أكثر، وهي أرقام أعلى من التغييرات الشهرية المعتادة، وما يزيد الأمر تعقيداً هو الآفاق بعيدة المدى.
ويتفق معظم المحللين ومتداولي البترول، على أن الطلب سيبلغ ذروته في مرحلة ما تحت ضغط الاستخدام المتزايد للسيارات الكهربائية وتدخل الحكومات لإبعاد مواطنيها عن البترول.
ويمكن أن تتحقق ذروة الطلب في غضون 5 إلى 15 عاماً، وإذا سألت متداولاً، فسيقول صراحة إنه لا توجد طريقة للمعرفة بدقة، وهذا يعني أننا إما نتجه نحو أزمة في العرض – مع تقليص شركات البترول الكبرى للاستثمارات – أو تخمة في غضون سنوات، ويظهر عدم اليقين ذلك في عقود البترول الآجلة، والتي يتم تداولها عموماً بخصم حاد مقارنة بعقود التسليم اليوم.
بالنسبة للمتداولين الذين يتعاملون في السلعة الأساسية، حالة عدم اليقين خاضعة للسيطرة، فهو قطاع يميل للازدهار مع التقلبات ويعرف كل مشارك أن السوق يمكن أن ينقلب رأساً على عقب بسبب حرب أو أزمة اقتصادية، كما حدث في عام 2008 عندما انخفض سعر البترول من 147 دولاراً للبرميل إلى 30 دولاراً في غضون أشهر قليلة.
قد تكون احتمالية العودة إلى 100 دولار للبرميل مغرية، ولكن نظراً إلى أن التجار الفعليين الكبار مثل فيتول وترافيجورا حققوا ثروة خلال الانكماش الناجم عن فيروس كورونا العام الماضي، فإن اتجاه قطاع السفر أقل أهمية من التقلبات التي قد تتعرض لها أرباحهم.
أما بالنسبة للمستثمرين في شركات البترول، فإن عدم اليقين يصيب بالشلل.
وأجرى بنك “جى بي مورجان” استطلاعاً لعملائه الشهر الماضى، ووجد أن المخاوف كبيرة بقدر الاهتمام، ورغم أن المستثمرين يتفقون على أن العودة إلى الأسعار المرتفعة هي احتمال حقيقي، فإنهم غير واثقين من أن الارتفاع سيكون مستداماً. ويتوقع الكثير منهم ارتفاعاً مؤقتاً وليس دائماً، وأحد أفضل الأشياء التي يمكن أن تحدث للتغير المناخي هي زيادة حادة في أسعار البترول تحفز الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
ويُظهر أكبر المنتجين المدرجين في البورصة في قطاع البترول الصخري الأمريكي انضباطاً مثيراً للإعجاب حالياً من خلال التركيز أخيراً على تعزيز الربحية وإعادة الأموال إلى المستثمرين بدلاً من الذهاب إلى طفرة حفر كثيفة استهلاك رأس المال. فلم يعد المتداولون يعتمدون على زيادة كبيرة في الإنتاج الأمريكي لتلبية نمو الطلب.
ولكن هل يمكن لهذا الانضباط الجديد أن يصمد حقاً لفترة طويلة مع ارتفاع الأسعار إلى مستوى 70 دولاراً للبرميل، ناهيكم عن 100 دولار؟ بالتأكيد لا نستطيع الحكم الآن، وبالنسبة للمستثمرين في الأسهم، الذين يحتاجون إلى إلقاء نظرة طويلة الأجل على العائدات المحتملة، فإنَّ عدم اليقين مضر بشكل خاص.
قد تكون هذه فرصة لأولئك الذين يعتقدون أن التنبؤات بنهاية عصر البترول سابقة لأوانها، ولكن يمكن أن يفسر ذلك جزئياً سبب قيام بعض المستثمرين بدفع الشركات من شركة “بريتيش بتروليوم” إلى شركة “إكسون موبيل” للتفكير ملياً في مستقبل يضخون فيه كميات أقل من البترول.
بقلم: ديفيد شيبرد، محرر الطاقة في “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.