فى زوبعة القمم التى عُقدت خلال أسبوع تواجد الرئيس جو بايدن فى أوروبا – مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسى والولايات المتحدة وروسيا وسلسلة من الاجتماعات الثنائية، ولكن قد يكون أحد أقل الاجتماعات تعليقا عليه هو الأكثر أهمية إذ تمثل القمة الأوروبية الأمريكية يوم الثلاثاء الماضى، تغيرا مدويا فى العلاقات عبر الأطلنطى، وفى التأثير الغربى الذى كان يتراجع سابقا فى العالم.
وركزت عناوين الأخبار الرئيسية على الإنجاز الأكثر تحديدًا، اتفاق لإنهاء الحرب التجارية الطويلة بشأن الدعم المقدم لشركات تصنيع الطائرات.
ورغم أن هذا كان مرحبا به، فقد فاته ما كان مهما حقا فى القمة.. وفى الواقع فى صفقة الطيران نفسها، وهو أن تعليق العقوبات التجارية لمدة خمس سنوات قد يحل أو لا يحل النزاع بين بوينج وإيرباص.
والأهم من ذلك بكثير هو أن الصراع توقف وتجددت النوايا الحسنة، وأن كلا الجانبين ملتزمان بصنع السياسات استنادا على قيمهما ومصالحهما المشتركة بدلا من القضايا التى تفرق بينهما، وتذهب التداعيات إلى ما هو أبعد من تحرير التجارة التقليدية أو إنهاء حرب الرسوم الجمركية التى شنها دونالد ترامب.
واستخدمت كل من أوروبا والولايات المتحدة السياسة التجارية بشكل متزايد كأداة لخدمة القيم غير التجارية والمخاوف الجيوستراتيجية.. أما الآن سيكون هذا الاتجاه أكثر تناسقا، ويوضح بيان القمة أن التجارة أصبحت أداة جيوسياسية مشتركة للمساعدة فى مكافحة تغير المناخ، وحماية البيئة، وتعزيز حقوق العمال، وزيادة المرونة وسلاسل التوريد «من بين أشياء أخرى، حتى عندما لا يتم ذكر الصين، ربما استجابة للحساسية الأوروبية، فلا شك فى من هو المقصود بـ»الاقتصادات غير السوقية التى تقوض النظام التجارى العالمى»
والنتيجة الأكثر أهمية هى إنشاء مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، ويمكن احتساب ذلك على أنه نقطة لصالح الاتحاد الأوروبى، الذى اقترح ذلك بالتحديد للإدارة الأمريكية القادمة فى ديسمبر، وربما تشعر بروكسل بالتفاجؤ قليلا بكيفية تبنى واشنطن للفكرة والتعامل معها، وسيضم المجلس 3 من أعضاء مجلس وزراء بايدن – وزير الخارجية ووزير التجارة والممثل التجارى – ومجموعات عمل مختلفة فى كل شيء بدءا من معايير التكنولوجيا وإدارة البيانات إلى فحص الاستثمار وقضايا الأمن وحقوق الإنسان.
ومن المعقول أن نأمل فى نتيجتين إيجابيتين، الأولى هى نهج أكثر اتساقا لإدارة الاقتصاد الرقمى، وهذا من شأنه أن يسهل تعميق التجارة الرقمية ونقل البيانات بين الاقتصادين.
ومن المفيد أن تتحرك الولايات المتحدة بسرعة نحو نهج أوروبى أكثر لضبط شركات التكنولوجيا الخاصة، ويعد تعيين بايدن للينا خان، ناقدة القوة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبيرة، كمنظمة للمنافسة أحدث علامة على هذا التحول.
والثانية هى المزيد من التعاون فى وضع المعايير، ويتضمن ذلك الإنترنت – ذكر بيان القمة «استهداف وضع نموذج ديمقراطى للحوكمة الرقمية»، ولكن يجب أن يمتد التعاون إلى المعايير التكنولوجية المادية، وفى الوقت الذى تسعى فيه الصين بنشاط للهيمنة على وضع المعايير العالمية، فإن اتباع نهج أكثر تكاتفا عبر المحيط الأطلنطى قد يغير قواعد اللعبة.
واعتدت أن أستسلم للحواجز الرقمية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين، مع وضعهم قواعد مختلفة للاقتصاد الرقمى، لكن أنا الآن أكثر تفاؤلاً بشأن إمكانية التقليل من الانقسام التنظيمى عبر المحيط الأطلنطى، وهذا من شأنه أن يغير بشكل جذرى ميزان التأثير على الحوكمة والمعايير المعتمدة فى أماكن أخرى، ويزيد الضغط على الصين للتكيف مع النموذج الغربى وليس العكس.
بالطبع .. لايزال يتعين القيام بعمل شاق، فكلا الجانبين يشعر بالغيرة على سيادته التنظيمية ويدرك التنافس بينهما. علاوة على ذلك، فإن مجالس التعاون السابقة كانت مخيبة للآمال.
لكن اليوم مختلف إذ تزايد إدراك الضعف المشترك، وعصر ترامب مازال جديدا فى ذاكرة الناس، كما أن الشعور بأن القواعد الاقتصادية العالمية تُعاد كتابتها بسرعة هو شعور ساحق، ويعد التعاون فى صياغة قواعد جديدة واعدا أكثر من محاولة حل الخلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى حول القواعد القديمة، لن يؤدى أى من هذا إلى زيادة احتمالية إبرام صفقة تجارية تقليدية بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، ولكن هذه ليست مشكلة.
فى القرن الحادى والعشرين، تتجه السياسة التجارية بشكل متزايد نحو إيجاد مناهج مشتركة للتنظيم المحلى – لتسهيل التدفقات التجارية، ولكن بنفس قدر الأهمية لوضع القواعد العالمية للعبة – ودفعت القمة خطة بايدن لإظهار أن الديمقراطيات فى العالم يمكن أن تعمل معًا لتحقيق نتائج أفضل للمواطنين من البدائل التى يروج لها رجال أقوياء فى جميع أنحاء العالم، وفى ظل انتعاش العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، يعيش النظام العالمى الليبرالى القديم ليقاتل فى يوم آخر.
بقلم: مارتن ساندبو، معلق الشئون الأوروبية فى صحيفة «فاينانشيال تايمز»
المصدر:صحيفة «فاينانشيال تايمز»