يبدو أن مجموعة الدول المنتجة للبترول وحلفائها «أوبك بلس»، التى قلصت الإنتاج منذ العام الماضى وسط الركود الناجم عن تفشى وباء «كورونا»، لديها الكثير للاحتفال به.
ولقد أدت جهود التحالف، بجانب ارتفاع الطلب على البترول بحدة من الاقتصادات التى أعيد فتحها خلال الأشهر الأخيرة، إلى مضاعفة أسعار البترول الخام أربع مرات تقريباً فى مدة تزيد قليلاً عن عام.
لكن الجزء الأفضل من قصة النجاح هذه، وربما الأصعب، يكمن فى ضمان المنتجين أن يكون هذا الارتفاع شاملاً ومستداماً، والأهم من ذلك ألا يتحول ليصبح رياحاً معاكسة هائلة بالنسبة للدول والمناطق التى لاتزال تكافح للتخلص من التداعيات الوحشية للجائحة.
ويعتبر ارتفاع البترول جزءاً من موجة صعود واسعة النطاق للسلع الأساسية والتى صاحبت الانتعاش الاقتصادى العالمى منذ أواخر العام الماضى، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو« اليابانية.
وعلى عكس مجموعة من المعادن والمنتجات الزراعية التى أصبحت أكثر تكلفة بسبب تعطل الإنتاج والإمدادات الناجمة عن القيود الوبائية، تم تقييد إمدادات البترول الخام بشكل متعمد.
وكنتيجة طبيعية لذلك، فإن تحالف «أوبك بلس»، المكون من 23 دولة ويسيطر على نحو %40 من إمدادات الخام العالمية، لديه القدرة على تهدئة الأسعار الجامحة عبر فتح صنابير الإنتاج على نطاق أوسع قليلاً.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الدول الأعضاء فى التحالف بدت مترددة فى القيام بذلك، مما سمح لخام برنت بالارتفاع من 51 دولار للبرميل فى بداية يناير إلى نحو 75 دولار فى منتصف يونيو الجارى.
ومنذ بداية عام 2021، تبنى التحالف نبرة حذر شديد، حيث زود السوق بكمية أقل من المعروض، مقارنة بما كان عليه الوضع نهاية العام الماضى.
وسيطرت السعودية، أكبر الدول الأعضاء فى «أوبك»، على زمام الأمور فى الاجتماعات الشهرية لوزراء الطاقة، حيث أعربت باستمرار عن شكوكها فى استدامة تعافى الطلب.
وتحولت سوق البترول من فائض العرض الهائل خلال عمليات الإغلاق الواسعة النطاق فى العام الماضى إلى نقص مستمر فى المعروض خلال الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار البترول الخام.
كما أن قطاع البترول الصخرى الأمريكى، الذى كان منافساً هائلاً لـ»أوبك» ذات يوم، غير قادر على سد الفجوة أيضاً، ولا يرجح عودة نمو القطاع الأمريكى حتى عام 2022، فهو لا يزال بحاجة لوقت كاف للتعافى من جروح العام الماضى، وتكييف أعماله مع حقبة ما بعد الوباء واستقطاب المستثمرين.
وفى الوقت نفسه، كان الطلب فى الولايات المتحدة، أكبر دولة مستهلكة للبترول بالعالم، يسلك اتجاها صعودياً مع إعادة الفتح الكامل للبلاد، بينما بدأت الاقتصادات الأوروبية الرئيسية فى أن تحذو حذوه.
وتقدم آسيا، حيث تنخفض معدلات التلقيح ضد «كورونا» نسبياً مقارنة بالغرب المتقدم، صورة مختلطة للأمر، فبرغم أن الصين عادت إلى وضعها الطبيعى تقريباً العام الماضى، إلا أن تضخم السلع بدأ فى الضغط على الشركات المصنعة الأصغر حجماً، وحاولت بكين القلقة فى الأيام الأخيرة كبح هذا التضخم عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات السياسية الصارمة.
وتواجه الهند معركة شاقة لإعادة تعافيها إلى المسار الصحيح بعد المرور بموجة وبائية شديدة عصفت بالبلاد فى شهرى أبريل ومايو 2021، ما أدى إلى تجديد عمليات الإغلاق.
ولاتزال العديد من دول جنوب شرق آسيا تعانى من أشد موجات الوباء، وقد لا تتمكن من إنهاء القيود بشكل كامل لعدة أشهر، ويرجع السبب فى ذلك إلى وتيرة التلقيح البطيئة.
والأمر لا يقتصر على آسيا الناشئة فقط، فحتى اليابان لاتزال تعانى مع ارتفاع معدلات الإصابة، ما أدى إلى تمديد القيود.
ومن المتوقع ارتفاع أسعار البنزين فى الولايات المتحدة بنسبة %41 فى المتوسط فى موسم القيادة الصيفى الحالى مقارنة بالعام الماضى، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، لكن ارتفاع أسعار الوقود قد لا يعرقل الانتعاش الاقتصادى للولايات المتحدة أو يؤثر على المستهلكين مثلما يحدث فى الدول المتوسطة الدخل أو الأفقر.
وأشارت «نيكاى آسيان ريفيو» إلى أن تحالف «أوبك بلس» ينفى فكرة وجود سعر خام مستهدف، ويقول إنه يحدد مساره على أساس تقديرات ميزان العرض والطلب العالمى والتغيرات فى مستويات مخزون البترول.
ولقد ركزت جهود التحالف بشكل مباشر على استنزاف التخمة الهائلة التى تراكمت خلال عمليات الإغلاق التى شهدها العام الماضى.
ويقول بعض المحللين، إن الأمر انتهى بالفعل، بينما توقعت اللجنة الفنية للتحالف مؤخراً اختفاء المخزون بحلول نهاية يوليو، وفى تلك المرحلة، ستظل «أوبك بلس» تحجب 5.8 مليون برميل يومياً من الإمدادات، أو نحو %60 من التخفيضات غير المسبوقة التى أطلقتها فى مايو 2020.
ومع ذلك، من الضرورى بدء تدفق البترول مرة أخرى إلى السوق، وبشكل سريع، لتجنب إيذاء المستهلكين الذين يكافحون للوقوف على أقدامهم، والحكومات التى تحاول إنعاش نموها الاقتصادى فى ظل التهديد الوبائى المستمر.