فى العقد الذى يأتى بعد وصول الشركات إلى المراكز العشرة الأولى، عادة ما يشهد انخفاضاً فى نمو الأرباح خلال السنوات العشر التالية من 16% سنوياً إلى 4%، ومع انخفاض نمو الأرباح، تنخفض أيضاً الربحية وجاذبية السوق
قامت شركة واحدة فقط، وهى «مايكروسوفت»، بإعادة اختراع نفسها فى كثير من الأحيان بما يكفى للبقاء فى نادى أكبر 10 شركات لمدة ثلاثة عقود
رسخ عمالقة التكنولوجيا أنفسهم بعمق فى الخيال الشعبى لدرجة أن قلة من الناس يمكنهم تصور عالم رقمى تقوده أى أسماء أخرى، لكن هذا الافتراض يتجاهل مدى السرعة التى يمكن للرأسمالية أن تقلل بها من حجم العمالقة.
تتصدر شركات التكنولوجيا الأمريكية المراكز العشرة الأولى فى العالم من حيث القيمة السوقية، ولا يرى العديد من المعلقين والمستثمرين أى سبب للتشكيك فى استمرار هيمنتها، ويقوم العشرات من المحللين بتقييم كل من شركات التكنولوجيا الكبرى، وكل واحد منهم يعطى حالياً تصنيف شراء لـ«ألفابيت» و«أمازون» و«مايكروسوفت»، ويتم تفضيل «أبل» و«فيسبوك» على نطاق واسع أكثر من الأسهم العادية. وتتمثل الرواية التقليدية فى أن هؤلاء العمالقة ينمون بشكل أكبر وأسرع وأكثر ديمومة من أسلافهم، وباعتبارهم منصات إنترنت، فإنهم يستفيدون من «تأثيرات الشبكة» وزيادة الكفاءة والزخم مع اكتسابهم للعملاء وترسيخ سيطرتهم على الاقتصاد بسرعة، كما قيل، لم يسبق لهم مثيل «فى تاريخ الرأسمالية»، لكننا رأينا الكثير من ذلك من قبل.
تُظهر البيانات التى تعود إلى عام 1970 أنَّ الشركات التى أنهت عقداً فى المراكز العشرة الأولى شهدت متوسط مكاسب أرباح بنحو 330% على مدار ذلك العقد، وتغلبت أسهمها على السوق بأكثر من 230%، لم تكن المراكز العشرة الأولى فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين مختلفة عن المعتاد: إذ ارتفعت الأرباح بنسبة 350% وتفوقت أسهمها على السوق بنسبة 330%.
بحلول نهاية عام 2010، استحوذت الشركات فى المراكز العشرة الأولى على 16% من قيمة سوق الأسهم العالمية، والتى كانت مماثلة لأعلى 10 أسهم فى نهاية السبعينيات والتسعينيات، ونظراً إلى مدى شهرة العلامات التجارية التكنولوجية فى الولايات المتحدة، يُنسى على نطاق واسع أنه قبل عقد من الزمان لم تكن أمازون وفيسبوك من بين أفضل 100 شركة فى العالم من حيث القيمة السوقية.
ومع ذلك، فإن صعودهما الهائل ليس بالأمر غير المعتاد أيضاً، وفى المتوسط ترتفع الشركات التى تصل إلى المراكز العشرة الأولى بنحو 75 مكاناً على مدى عقد للوصول إلى هناك، ثم تتلاشى، ومنذ عام 1970، كان لدى الشركات التى أنهت عقداً فى المراكز العشرة الأولى على مستوى العالم فرصة أقل من واحد من كل خمسة لإنهاء العقد المقبل هناك، واحتلت شركات البترول القائمة فى السبعينيات، تلتها البنوك اليابانية فى الثمانينيات.
ووصلت الأسماء التكنولوجية إلى القمة فى التسعينيات، لكن الطاقم يتغير باستمرار، فقط شركتان أوروبيتان تكنولوجيتان، وهما «دويتشه تليكوم» و«نوكيا»، تخطتا المراكز العشرة الأولى على الإطلاق وظهرت فى هذا النادى خلال التسعينيات قبل أن تتراجع بسرعة، لكن قامت شركة واحدة فقط، وهى «مايكروسوفت»، بإعادة اختراع نفسها فى كثير من الأحيان بما يكفى للبقاء فى نادى أكبر 10 شركات لمدة ثلاثة عقود. طفرات النمو الهائلة أمر طبيعى عندما تعمل الرأسمالية، وكذلك التدمير الخلاق، وتنمو الشركات الكبيرة بشكل خارج عن السيطرة، ويتحدثون عن البقاء بجنون العظمة لكنهم فى الحقيقة لا ينفصلون عن أذواق الشباب ولا يتقهقرون أمام المنافسين الأكثر رشاقة.
هناك تهديدات أخرى أيضاً، ففى الآونة الأخيرة، أظهرت الصين مدى السرعة التى يمكن أن يؤدى بها هجوم تنظيمى إلى إسقاط الشركات العملاقة، وإخراج شركة «على بابا» من قائمة أكبر 10 شركات عالمية، سواء كان ذلك نذيراً لما يمكن أن يصيب عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين أم لا، فإن الخطر من قبل المنظمين المتحمسين أقل إلحاحاً من المنافسة الرأسمالية.
الإنترنت بحد ذاته يتطور باستمرار ويتسابق العمالقة مع المبتدئين لبناء منصة الإنترنت التالية، والتى من المحتمل أن تتضمن عناصر من الذكاء الاصطناعى والواقع المعزز أو الافتراضى.
بحلول أواخر العام الماضى، بدأ نمو أرباح عمالقة التكنولوجيا فى العالم فى التباطؤ، مقارنة ببقية العالم، وفى الماضى، كان تباطؤ نمو الأرباح مرتبطاً بضعف الأرباح النسبية لأكبر 10 شركات، وفى معظم الأحيان، كان هناك تراجع فى نهاية المطاف عن القمة.
فى العقد الذى يأتى بعد وصول الشركات إلى المراكز العشرة الأولى، عادة ما تشهد الشركات انخفاضاً فى نمو الأرباح خلال السنوات العشر التالية من 16% سنوياً إلى 4%، ومع انخفاض نمو الأرباح، تنخفض أيضاً الربحية وجاذبية السوق، وبعد الوصول إلى المراكز العشرة الأولى، عادة ما ترى الشركات العملاقة أن العوائد تتحول إلى سلبية، ويتقلص أداؤها النسبى بنسبة 70% خلال العقد التالى.
فى الواقع، إنهم يعيدون جميع المكاسب التى حققوها فى مسيرتهم نحو القمة، وفى المتوسط، تتراجع الشركات العشر الكبرى خلال العقد المقبل بنحو 60 مركزاً فى التصنيف العالمى – وهى نتيجة لا ينبغى رثاؤها إذ تكمن المنافسة والاضطراب فى قلب النظام الرأسمالى الفعال، وهذا هو السبب فى أن عمالقة عقد واحد غالباً ما يقدمون مثل هذه الأرباح المخيبة فى العقد التالى، ويتقلصون فى الخيال الشعبى، وأتوقع أن يتكرر هذا النمط ما لم تكن الرأسمالية قد تحطمت حقاً.
بقلم: روتشير شارما، كبير الاستراتيجيين العالميين فى «مورجان ستانلى انفستمنت ماندجمنت».
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز».