«فيتش سوليوشنز»: 259 مليار دولار استثمارات طوكيو مقابل 157 مليار لبكين
يقترب أول خطين من خطوط السكك الحديدية السريعة فى فيتنام من الاكتمال بعد أعوام من التأخير، وهذه المشاريع التى يتواجد كل واحد منها فى أكبر مدينتين بالبلاد، أصبحت رموزاً ليس فقط لتحديث فيتنام، بل أيضاً للمصالح المتضاربة بين أكبر مصدرين للاستثمار فى البنية التحتية فى آسيا.
وذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية، أنَّ خط «هانوى» تم تمويله من قبل مساعدات التنمية الصينية، فى حين تم إطلاق خط سكة حديد مدينة «هو تشى منه» بمساعدة الحكومة اليابانية.
وبالرغم من أن الامتداد المالى للصين إلى الخارج يجذب اهتماماً هائلاً، عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية فى جنوب شرق آسيا، فإنَّ اليابان لا تزال الرائدة إلى حد كبير.
وبشكل إجمالى، استثمرت اليابان ما يصل إلى 259 مليار دولار فى مشاريع غير مكتملة فى إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند وفيتنام، مقارنة بـ157 مليار دولار للصين، بحسب مزود البيانات «فيتش سوليوشنز».
وانخفض كلا الرقمين منذ عام 2019؛ حيث أدى تفشى جائحة «كورونا» إلى ردع الاستثمار الجديد فى البنية التحتية، لكن تقدم اليابان اتسع قليلاً.
ويعد إنشاء الخط الأول للسكك الحديدية الحضرية فى مدينة «هو تشى منه» نموذجاً مصغراً للبنية التحتية اليابانية التى تقدم فى الخارج، فقد وضعت الوكالات الحكومية وشبه الحكومية الأساس لمجموعات الأعمال العملاقة فى البلاد؛ حيث بدأ المشروع منذ نحو تسعة أعوام بدعم مبكر من وكالة التعاون الدولى اليابانية، والتى تسهل معظم مساعدات التنمية الخارجية للبلاد.
وفازت شركة «سوميتومو كوربوريشن»، وهى تكتل مترامى الأطراف للقطاع الخاص، بعقد البناء كجزء من ائتلاف تجارى، وقدمت «طوكيو مترو» المساعدة الفنية، وتم تسليم قطارات «هيتاشى» للعمل على الخط.
وفى الوقت الذى كانت فيه الولايات المتحدة فى عهد رئيسها جو بايدن صريحة بشأن طموحها لتحدى مبادرة الحزام والطريق الصينية، كانت اليابان مترددة فى وضع إطار لسعيها لمشاريع البنية التحتية الكبيرة كمنافسة مع الصين.
ومع ذلك، ليس من الصعب ملاحظة التغيير فى الاستراتيجية، خاصة خلال فترة تواجد رئيس الوزراء السابق آبى شينزو فى منصبه.
وفى عام 2015، أطلقت الحكومة «الشراكة من أجل جودة البنية التحتية» مع بنك التنمية الآسيوى ومستثمرين آخرين، والتى وعدت بتقديم رأسمال عام وخاص بقيمة 110 مليارات دولار لمشاريع البنية التحتية فى المنطقة على مدى الخمسة أعوام المقبلة.
وبالرغم من التقدم المحرز فى الوصول إلى هذا الهدف، فإنه لم يتم تتبعه عن كثب.
وبالرغم من عدم ذكر مبادرة الحزام والطريق الصينية علناً، فإنَّ الرسالة وراء تأكيد اليابان المتكرر على الجودة لم يسمع بها من قبل فى المنطقة.
وأشارت «ذى إيكونوميست» إلى أن «الشراكة من أجل جودة البنية التحتية» أصبحت بشكل صريح جزءاً من استراتيجية «الهند والمحيط الهادئ الحرة والمفتوحة» للبلاد، التى تم إطلاقها فى عام 2016، وربطت أهداف سياستها الخارجية بأولوياتها المالية.
وفى العام نفسه، شهد بنك اليابان للتعاون الدولى، الذى بدأ أعماله فى عام 1950 كبنك لترويج الصادرات، تعديل دوره للسماح بمزيد من المخاطرة المالية، ثم تمحور دور البنك فى الأعوام الأخيرة نحو تمويل الاستثمار الخارجى؛ حيث كانت 11% فقط من ارتباطات البنك عبارة عن قروض تصدير، بينما كانت 82% قروضاً استثمارية خارجية وذلك فى العام المنتهى فى مارس 2020.
وتتمتع اليابان ببعض المزايا مقارنة بمعظم الاقتصادات الغربية، كل منها يشرح بطريقة ما الثقل المالى الخفى نسبياً للبلاد؛ حيث تعتبر أكبر الشركات فى اليابان على دراية عميقة بالأسواق الآسيوية الأخرى، والتى شكلت حصة كبيرة من مبيعاتها الدولية لعقود.
وكذلك، صدرت اليابان إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا أكثر من الشركات الأمريكية فى عام 2019، رغم أن الاقتصاد الأمريكى يزيد على أربعة أضعاف حجم الاقتصاد اليابانى.
وبالرغم من أن البلاد لا تستطيع نشر الاستثمار الخاص من خلال الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، كما تفعل الصين، فإنَّ العلاقات بين القطاع الخاص والحكومة أقرب بكثير مما هى عليه فى الاقتصادات الرأسمالية الأخرى، ما يعزز عجلة التعاون.
ويلاحظ ساورى كاتادا، من جامعة جنوب كاليفورنيا، أنه فى التنافس مع الصين على البنية التحتية الإقليمية، عادت اليابان قليلاً إلى استراتيجيتها المعروفة باسم «اليابان القديمة» لطفرة ما بعد الحرب، حيث عمل القطاعان العام والخاص معاً بسلاسة.
وتعتبر الشراكة أقل ثقلاً بكثير مما كانت عليه فى ذروة «المثلث الحديدى» – الحزب الليبرالى الديمقراطى المهيمن سياسياً، وجهاز الدولة ورجال الأعمال فى البلاد – لكن إرث الموقف التجارى من التجارة الخارجية والاستثمار واضح.
وربما أدى هذا المزج بين أهداف الاستثمار الحكومية والخاصة إلى إثارة الذعر من الحكومات الغربية، خاصة عندما كان يُنظر إلى اليابان على أنها القوة الاقتصادية الصاعدة فى آسيا، لكن ظهور مبادرة الحزام والطريق والمخاوف المتعلقة بالنفوذ الاقتصادى للصين فى المنطقة قد غير الأولويات.
وبصفتها المنافس الوحيد الجاد لنفوذ بكين المالى فى المنطقة، فمن المرجح أن يتم الترحيب بثقل البنية التحتية فى اليابان فى جميع أنحاء العالم، حتى لو لم تصرخ طوكيو بصوت عالٍ بشأن ذلك.