الأجندة البيئية لا يمكنها تجاهل أمن إمدادات الطاقة
تحت ضغط التضخم الأمريكى الذى بلغ أعلى مستوى له فى 13 عاماً، وارتفاع أسعار البنزين، تصرفت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن بشكل غير معهود إلى حدٍ ما فى يوليو من خلال حث منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها «تحالف أوبك بلس» علناً على ضخ مزيد من البترول.
وبينما تجاهل التحالف الطلب، أثار البيت الأبيض الانتقادات حول الطاقة وتغير المناخ.. وهذه الخطوة القادمة من إدارة تروج لأجندة خضراء كان ينظر إليها على أنها نفاق من قبل الكثيرين، لكن البيت الأبيض ليس بمفرده فى هذا المأزق.
وفى تقرير بعنوان «صافى صفر بحلول عام 2050» نُشر فى مايو الماضى، ذكرت وكالة الطاقة الدولية، أنَّ جميع عمليات تطوير حقول البترول والغاز يجب أن تنتهى اعتباراً من هذا العام إذا كان العالم يرغب فى البقاء ضمن الحدود الآمنة للاحترار العالمى.
وبعد ذلك بشهر، دعت الوكالة ومقرها باريس، منظمة «أوبك» إلى زيادة الإنتاج لتلبية انتعاش الطلب المتوقع فى عام 2022، حسبما نقلت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وبينما تسلط العناوين الرئيسية الضوء بشكل تدريجى على وجهات النظر الأكبر المتعلقة بتغير المناخ- رغم أنها تقع ضمن مجموعة واسعة من السيناريوهات المحتملة التى رسمتها الدراسات العلمية حول هذا الموضوع- يبدو المجتمع العالمى حريصاً على تبنى فكرة الطاقة النظيفة الوفيرة والمتاحة بكل سهولة.
وفيما يتعلق بالمعارضين المتحمسين للوقود الأحفورى، فهم لا يهتمون بمسألة كيف ومتى يمكن للعالم- خاصة الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض- الوصول إلى كل هذه الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة.
لطالما كان البترول والغاز الدعامة الأساسية لاحتياجات العالم من الطاقة، وأصبح كبش الفداء المفضل، فلم يقتصر الأمر على تخلى البنوك والمستثمرين وحتى شركات البترول الكبرى نفسها عن تطوير احتياطيات جديدة من البترول والغاز، بل إن العديد منهم أيضاً تراجع عن تكرير البترول. كذلك، تتعرض شركات التأمين أيضاً لضغوط متزايدة لإعلان عدم تحملها أى مسئولية تتعلق بصناعة البترول والغاز.
وتشير التقديرات إلى أن الإنفاق العالمى على البترول والغاز خلال عام 2021 سيصل إلى 351 مليار دولار، وهو انخفاض مذهل بنسبة 43% مقارنة بعام 2015.
وفى الوقت نفسه، لا تحظى تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه باهتمام كافٍ، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المنتجين يركزون بشكل أكبر على مصادر أخرى للطاقة، وجزئياً؛ بسبب المخاوف من إمكانية استخدامه لتبرير الاستخدام المستمر للوقود الأحفورى.
ومن المؤكد أنه لا جدال فى أن مضاعفة الجهود للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والتحرك نحو الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية فى العالم أمر بالغ الأهمية لبقائنا ورفاهيتنا.
ومن هذا المنطلق، قفزت الدول والشركات إلى عربة التعهدات الصافية الصفرية- حيث حددت أهدافاً تصل إلى ثلاثة عقود للتخلص تماماً من الغازات الدفيئة التى تضيفها للغلاف الجوى- بدون تبنى خرائط طريق لكيفية الوصول إلى هناك، لكن الاندفاع للوصول إلى مكان ما دون رسم مسار يوازن بين الضرورات المترابطة للاستدامة البيئية والنمو الاقتصادى وأمن الطاقة لن يؤدى إلا إلى عواقب وخيمة.
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن الاستثمار السنوى فى الطاقة النظيفة يجب أن يتضاعف ثلاث مرات ليصل إلى نحو 4 تريليونات دولار بحلول عام 2030، لكن هنا تكمن المشكلة؛ حيث تقر الوكالة أيضاً أنه فى غضون 20 عاماً من الآن، يجب أن يأتى نصف تخفيضات الانبعاثات الكربونية من التقنيات التى لا تزال قيد التطوير.
من المتوقع أن تصبح الكهرباء جوهر عالم الطاقة الخضراء الجديد، لكن لن تحتاج فقط إلى زيادة توليد الطاقة العالمية، بل إنها ستحتاج أيضاً إلى فعل ذلك دون إضافة المزيد من الانبعاثات الكربونية إلى الغلاف الجوى، وهذا الأمر بالغ الصعوبة.
وأشارت المجلة اليابانية إلى أن الصين والهند وعدداً قليلاً من الدول الأخرى رفضت الصياغة المخطط لها بشأن تعهدات الانبعاثات الصفرية الصافية فى البيان الختامى لاجتماع وزراء الطاقة والبيئة لمجموعة العشرين فى يوليو.
وأوضحت أن تلك الدول قالت إنها لا تستطيع تقديم وعود بالتخلص التدريجى من توليد الطاقة القائم على الفحم بحلول عام 2025 كما يرغب أقرانها.
كذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت حكومات الدول المعتمدة على البترول، التى ستحضر مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للتغير المناخى 2021، ستقدم للدول الأخرى فحصاً واقعياً بشأن ثقافة إلغاء البترول والغاز أم أنها ستلتزم بكل بساطة، أو ربما لا يوجد توقف لهذا القطار الجامح وسيكون من الأفضل الاستعداد لأسعار البترول البالغة 100 دولار للبرميل أو أعلى فى المستقبل غير البعيد.