10% حصة إمبراطورية الشمس المشرقة من السوق العالمى لأشباه الموصلات بانخفاض من 50%
لطالما شعر الرئيس التنفيذى السابق لمكونات الأجهزة الإلكترونية فى شركة «توشيبا»، شوزو سايتو، بالإحباط من تدهور صناعة أشباه الموصلات فى اليابان، قائلاً إنَّ صانعى الرقائق اليابانيين أصبحوا أقل قدرة على المنافسة.
عندما كان سايتو، البالغ من العمر 71 عاماً، يعمل مع «توشيبا»، كانت اليابان تتمتع بحصة عالمية تزيد على 50% فى سوق أشباه الموصلات، ويرجع الفضل فى ذلك جزئياً إلى رقائق الذاكرة التى قامت مجموعة سايتو الخاصة بتسويقها. واليوم، تراجعت حصة اليابان إلى 10%، كما تظهر بيانات رابطة صناعة أشباه الموصلات، وتجد البلاد نفسها فجأة عند مفترق طرق.
تهدف سياسة الحكومة فى كوريا الجنوبية والصين، إلى توسيع صناعة الرقائق المحلية، وتحاول الولايات المتحدة وأوروبا- اللتان تشعران بالقلق من نقص الرقائق هذا العام والمخاطر الجيوسياسية المحتملة على تايوان وهى أكبر مصدر للإمدادات العالمية- إحياء صناعاتهما.
ويبدو أن موجة النشاط الخارجية تهدد ما تبقى من حصة اليابان فى السوق، وربما يكون الأمر أسوأ من ذلك، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
ويشعر مسئولو الصناعة بالقلق من أن تطوير الدول سلاسل إمدادها فى أراضيها، فإن الصناعات ذات الصلة حيث لا يزال لدى اليابان لاعبون متخصصون منافسون عالمياً، مثل صانعى معدات الرقائق وموردى المواد، ستنتقل أيضاً إلى هذه الدول، ما يؤدى إلى تآكل الصناعة اليابانية بشكل أكثر.
ويقول تاكيشى هاتورى، مستشار أشباه الموصلات، المهندس السابق لدى شركة «سونى»، إنَّ طوكيو بحاجة إلى إظهار ريادتها.
وأضاف «هاتورى»: «فى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، يتولى الرئيس زمام المبادرة فى تعزيز قطاع أشباه الموصلات. ماذا عن الحكومة اليابانية؟».
ووعدت حكومة رئيس الوزراء اليابانى يوشيهيدى سوجا، بالتحرك حتى قبل عدم اليقين بشأن من سيخلفه.. لكن كانت هناك شكوك حول الاستراتيجية الموضوعة حتى الآن وما إذا كانت الحكومة لديها الإرادة السياسية للمتابعة، فضلاً عن وجود أسئلة حقيقية حول ما يمكن للشركات اليابانية تحقيقه بشكل واقعى.
حتى وقت قريب، اتبعت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة نهج الحرية الاقتصادية؛ حيث يتذكر سايتو أنه تم إخباره أن «أشباه الموصلات هى شىء يمكن شراؤه من تايوان»، لكن هذا الوضع تغير 180 درجة.
ولحماية وتعزيز نقاط القوة فى البلاد فى المواد الخام وتغليف أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق، تريد طوكيو المزيد من إنتاج الرقائق فى اليابان، وهذا أحد الأسباب التى دفعت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة لقيادة المحادثات مع شركة تايوان لأشباه الموصلات، أكبر مسبك للرقائق فى العالم، حول تحديد موقع مصنع فى البلاد.
فى استراتيجية النمو الوطنية الصادرة فى يونيو، وعدت الحكومة اليابانية بدعم تطوير تصميم الرقائق وإنتاجها من قبل الشركات المحلية أيضاً، لكن لا يزال هناك بعض التفاصيل التى تحتاج إلى إنهائها، مثل حجم الدعم ومناقشات الموازنة المالية لعام 2022، كما أنه لم يجر تجسيد للحديث عن التعاون مع الحلفاء فى الخارج، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
يشير الخبراء إلى أن هناك قضايا أخرى يجب التعامل معها، مثل دفع الصناعة للتوحيد حول واحد أو اثنين من «الأبطال الوطنيين»، وإيجاد مديرى الشركات الذين يمكنهم قيادة التحول.
وتشير شركة أبحاث السوق «آى سى إنسايتس» (IC Insights) إلى أن اليابان المعروفة باسم بلاد الشمس المشرقة، كان لديها أكبر عدد من عمليات إغلاق مصانع الرقائق فى أى بلد أو منطقة بين عامى 2009 و2019، تليها مباشرة أمريكا الشمالية.
يتوازى تراجع صناعة الرقائق اليابانية مع صناعة الإلكترونيات، التى تراجعت أمام منافسين مثل كوريا الجنوبية وتايوان فى أجهزة الكمبيوتر الشخصية وأجهزة التلفزيون والهواتف الذكية، فضلاً عن أن صناعة الرقائق اليابانية بدأت تفقد التركيز. باعت شركة «توشيبا» نفسها أكثر من نصف حصتها فى أعمال ذاكرة فلاش الخاصة بها إلى تحالف بقيادة «باين كابيتال» فى عام 2018 لدفع تكاليف إعادة الهيكلة، رغم أنها لا تزال تحتفظ بنسبة 40% من الأعمال، التى تسمى الآن «كيوكسيا» (Kioxia).
كذلك، باعت شركة «سونى» أعمالها الأخرى فى مجال أشباه الموصلات منذ عام 2007، رغم أنها لا تزال رائدة فى إنتاج مستشعرات الصور. كما باعت شركة «فوجيتسو» مصنعها الرئيسى فى محافظة ميه اليابانية إلى شركة الإلكترونيات الدقيقة المتحدة.
وفى العام الماضي، تركت شركة «باناسونيك» مجال إنتاج الرقائق، حيث باعت ثلاثة مصانع فى توياما ونيغاتا إلى «نوفوتون تكنولوجى» التايوانية.
وأعلنت شركة «رينيساس إلكترونيكس»، أكبر مصنع للمعالجات فى اليابان، عن إغلاق اثنين من المصانع القديمة هذا العام، وهى خطوة ستخفض عدد مصانعها لتصنيع الرقائق فى اليابان إلى سبعة من 22 مصنعاً.
ورغم ذلك، يجادل البعض بأن القدرة التصنيعية المتبقية يمكن تحديثها وجعلها أكثر كفاءة وتنافسية من حيث التكلفة، ما يحول اليابان إلى مصدر إضافى لتوريد الرقائق بالنسبة لبقية العالم.
فى الوقت نفسه، يجادل أستاذ إدارة التكنولوجيا فى جامعة طوكيو للعلوم، هيديكى واكباياشى، بأن صناعة أشباه الموصلات فى اليابان لا تزال تتمتع بنقاط قوة، مثل رقائق السيارات وتلك المتخصصة فى إدارة الطاقة، والتى يمكن استخدامها لمساعدة بقية العالم على تحقيق التحول إلى السيارات الكهربائية والاقتصاد منخفض الكربون.
جدير بالذكر أن شركة «رينيساس إلكترونيكس» توفر الرقائق المستخدمة فى السيارات والروبوتات الصناعية، فهى تصنع بين 60% و70% من رقائقها داخل الشركة وتتعاقد من الباطن مع شركات مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات. وأوضح واكباياشى، أن الحفاظ على القدرة الأساسية لصناعة الرقائق سيكون مكلفاً؛ حيث سيتطلب الأمر استثمارات تصل إلى 50 مليار دولار على مدى الأعوام القليلة المقبلة حتى تحتفظ اليابان بحصتها البالغة 10% فى إنتاج أشباه الموصلات.