بكين تطلب تعزيز الإمدادات بأي ثمن حتى تحافظ على تشغيل المصانع
من المحتمل أن تشتد أزمة الغاز الطبيعي التي تضرب المملكة المتحدة وأوروبا بعد أن أمرت الصين الشركات المدعومة من الدولة ببذل قصارى جهدها لتأمين إمدادات الطاقة لهذا الشتاء بصرف النظر عن التكلفة.
نقلت وسائل الإعلام الحكومية الصينية عن رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانج مؤخراً قوله إن البلاد ستؤمن إمداداتها من الطاقة بعد سلسلة من الانقطاعات والنقص التي أجبرت عدداً كبيراً من الشركات على تقييد الإنتاج.
كما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج” في وقت لاحق أن مسؤولي الحكومة المركزية أمروا شركات الطاقة المملوكة للدولة بتأمين إمدادات الطاقة بأي ثمن، موضحة أن التعليمات جاءت مباشرة من هان تشينج ، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني الذي يشرف على قطاع الطاقة والصناعة في البلاد.
وهذه الخطوة التي اتخذتها الصين تشير إلى أن أجزاء أخرى من العالم ستواجه صعوبة أكبر في تأمين الوقود الذي تحتاجه.
وسجلت أسعار الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة وأوروبا سلسلة من الارتفاعات القياسية في الأسابيع الأخيرة بسبب احتمالية نقص الإمدادات هذا الشتاء، مع تزايد الطلب في آسيا على الوقود كأحد العوامل الرئيسية، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ووصلت أسعار شحنات الغاز الطبيعي المسال، وهو المصدر الرئيسي للمنافسة بين أوروبا وآسيا على تدفقات الغاز، إلى مستوى قياسي يوم الخميس في آسيا بلغ 34.47 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، حيث سارع المشترون لتأمين الشحنات، في ظل معاناة الصين من مشاكل واسعة النطاق في توليد الطاقة بسبب نقص الفحم.
ومن هذا المنطلق، تسبب الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي المسال هذا العام إلى ارتفاع أسعار الغاز في المملكة المتحدة وأوروبا حيث تحاول القارة جذب الإمدادات، لكن المشترين في آسيا حتى الآن مستعدون لمواصلة دفع علاوة لتأمين الشحنات، ما آثار شبح حرب مزايدة بين المنطقتين، وبالتالي إمكانية ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.
تعليقاً على الأمر، قال لوران روسيكاس، من شركة “آي إتش إس ماركيت” الاستشارية: “تبين أن الطلب على الغاز ليس شديد الحساسية حتى للأسعار المرتفعة للغاية في كلا السوقين”.
كانت التحديات التي تواجه سوق الغاز في أوروبا تختمر منذ بعض الوقت، حيث استنزف الشتاء المطول مخزونات الغاز، ثم جاء نقص شحنات الغاز الطبيعي المسال هذا الصيف والذي يشير إلى صعوبة بناء المخزونات إلى المستوى الذي يريده السوق.
كذلك، ساهم انخفاض إمدادات خطوط الأنابيب من روسيا والانخفاض الحاد في الإنتاج المحلي في زيادة المخاوف بشأن تأمين الإمدادات خلال فصل الشتاء قارس البرودة.
وتواجه الصين أزمتها الخاصة المتعلقة بالطاقة نظراً لنقص الفحم اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية، مما أدى إلى زيادة مشترياتها من الغاز الطبيعي بمعدل أسرع مما كان يتوقعه التجار في أوروبا.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن الارتفاع الناتج في أسعار الغاز في جميع أنحاء العالم أدى إلى ارتفاع تكاليف الكهرباء ودفع تكاليف الطاقة المتزايدة إلى قمة الأجندة السياسية، وسط المخاوف التي تشير إلى أن الشتاء البارد قد يضغط على الإمدادات لدرجة أن بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة قد تحتاج إلى تقييد الإنتاج.
كانت أسعار الغاز المرتفعة بشكل قياسي سبباً في انهيار 10 من موردي الطاقة بالتجزئة في المملكة المتحدة، فضلاً عن أنها دفعت الحكومة إلى التدخل لدعم شركة الأسمدة التي كانت أحد المصادر الرئيسية لثاني أكسيد الكربون في البلاد، وهو أمر ضروري لتغليف المواد الغذائية والعلاج الطبي ومحطات الطاقة النووية أيضاً.
تكافح الصين لتعزيز إمدادات الفحم المحلية اللازمة لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وسط انتعاش اقتصادها الذي تمكن من التصدي لتداعيات الوباء بفضل إجراءات السلامة الصارمة الجديدة التي أدخلت بعد سلسلة من الحوادث المميتة.
يذكر أن الفحم تم تداوله عند 1700 رنمينبي، أو ما يعادل 263 دولارا للطن، يوم الخميس الماضي في السوق الفورية المحلية في الصين، وذلك حسبما ذكر المزود المستقل لمعلومات الأسعار والخدمات الاستشارية “أرجوس ميديا” (Argus Media).
وفي غضون ذلك، ارتفعت الأسعار الأوروبية بأكثر من 200 دولار للطن، وهو مستوى شوهد آخر مرة في عام 2008.
وتشير بيانات مؤسسة الخدمات المالية “مورجان ستانلي” إلى أن الطلب على الطاقة ارتفع في الصين بنحو 15% هذا العام، لكن إمدادات الفحم المحلية ارتفعت بنسبة 5% فقط منذ عام حتى الآن، على الرغم من أن الفحم لا يزال بشكل كبير أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في الصين.
ختاماً، قال كولين هاميلتون، المحلل في شركة “بي إم أو كابيتال ماركتس”، إن “مشتريات الغاز الصينية تنتعش لمحاولة ضمان توفر بديل للفحم المستخدم في التدفئة”.