اقتصاد إيران تضرر بشدة بسبب العقوبات.. لكن لا انهيار
عندما يُغلق أحد الأبواب، ينفتح غيره، ففي الأسبوعين الماضيين، ازداد الضغط العالمي على الشؤون المالية لروسيا بشكل كبير، في حين من المقرر تخفيف قبضة العقوبات المفروضة على إيران مرة أخرى.
في عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق نووي متعدد الأطراف مع إيران. والمفاوضات التي استمرت لمدة عام لإحيائه وصلت إلى المراحل النهائية، وبالتالي أصبح التوصل إلى صفقة على بعد خطوات فقط، وهو ما يعتبر أمراً مفيداً لإعادة البترول الإيراني إلى السوق العالمية.
تعد التجربة التي مرت بها البلاد مفيدة، فخلال العقد الزمني الماضي، عانت طهران من ركود اقتصادي وتراجع قيمة العملة وتضخم مزمن تحت ضغط العقوبات العالمية، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، وتعرض اقتصادها للضرر، لكنه لم ينهار.
ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن الشركات المصنعة الإيرانية أثبتت قدرتها على الصمود، ويشهد سوق الأوراق المالية المزدهر في طهران، على صلابة الاقتصاد، فالعديد من الشركات التي نجت وازدهرت مدرجة في هذا السوق.
كانت العقوبات الأمريكية حقيقة من حقائق الحياة في البلاد منذ عقود زمنية، فقد بدأ الأمر في عام 1979 عندما فرض الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر حظراً على واردات البترول من طهران وجمد الأصول الإيرانية الموجودة في بلاده بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية في العاصمة الإيرانية.
مع ذلك، يمكن القول إن العقوبات على إيران بدأت بالفعل في الظهور عندما انضمت دول أخرى، فقد فُرضت موجة من العقوبات الدولية وشُددت بشكل مطرد بين عامي 2010 و2012 للضغط على طهران للحد من برنامجها النووي.
هذه العقوبات استهدفت صادرات البترول الإيرانية والبنوك وتسببت في تجميد الأصول الأجنبية لبنكها المركزي، كما فرضت الولايات المتحدة حظر تعامل البنوك التجارية حول العالم مع إيران بالدولار الأمريكي.
ومنذ ذلك الحين، ظل نظام العقوبات بدرجات متفاوتة من الشدة قائماً على البلاد.
كان الضرر جسيماً، فقد انخفضت صادرات البترول الإيرانية من 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2011 إلى 1.1 مليون برميل يومياً في عام 2014، وعانى اقتصاد البلاد من ركود عميق في عامي 2012 و 2018، وترك الحظر المفروض على صادرات البترول الإيرانية فجوة كبيرة في المالية الحكومية.
ونظراً لافتقارها للوصول إلى احتياطياتها أو عائدات الدولار الموثوقة من صادرات البترول، لم تتمكن السلطات من دعم سعر صرف العملة الإيرانية، ونتيجة لذلك أصبح التضخم مرتفعا بشكل مزمن، وواجهت البلاد كثيرا من المشقة.
يشير أحدث تقرير للبنك الدولي عن إيران إلى عقد ضائع من نمو ضئيل للناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وربما كان الأمر أسوأ بكثير.
هناك ثلاثة تفسيرات لمرونة إيران.
الأول.. رغم أن العقوبات كانت واسعة النطاق وخاضعة للرقابة الدؤوبة، فإنها عرضة للاختراق، فقد تمكنت إيران من تصدير عدة مئات الآلاف من براميل البترول يومياً، وانتهي معظم البترول المصدر في الصين، وقيل إنه بترول من ماليزيا أو عمان أو الإمارات.
مما لا شك فيه أن انتهاك العقوبات محفوف بالمخاطر، لكن بعض المصافي المملوكة للقطاع الخاص مستعدة لتحمل المخاطرة مقابل الحصول على خصم كبير في الأسعار، والمؤكد أن الدولار ليس العملة الأجنبية الوحيدة، بل هناك اليوان بالطبع.
التفسير الثاني للصمود هو تنويع الصادرات، إذ تتمتع إيران بمجموعة من الصناعات، ويستفيد بعض تلك الصناعات، مثل التعدين وتقريع المعادن، من الوصول إلى طاقة رخيصة وموثوقة.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إيران حدودا برية مع العديد من الدول المكتظة بالسكان، مثل باكستان وتركيا، وجزء كبير من التجارة البرية في إيران غير موثق ومن ثم يصعب مراقبته.
أما التفسير الثالث فهو استبدال الواردات فقد أدى ضعف الريال إلى جعل السلع المستوردة بعيدة عن متناول الكثير من الإيرانيين، لكنها كانت نعمة للمصنعين الذين يخدمون السوق المحلي.
يعكس سوق الأسهم الإيرانية هذا الاقتصاد المرن، فرغم إدراج بعض الشركات الكبرى في قائمة العقوبات، لكن المئات من الشركات الأصغر ليست كذلك.
كما أثبتت الأسهم أنها وسيلة جيدة للتحوط ضد انخفاض قيمة العملة والتضخم، وقد لاحظ العديد من السكان المحليين هذا.
عادةً ما تتكون الاقتصادات من الناس العاديين، الذين يتكيفون مع الظروف المتغيرة مع بذل قصارى جهودهم لتحقيق ذلك.
وبالنسبة للشعب الإيراني، الآن ثمة احتمال حقيقي لأيام أفضل قادمة، بينما بدأ التعديل المؤلم للتو بالنسبة للشعب الروسي.