استغرقت شركات البترول قرابة عام للانسحاب من ميانمار بعد الاضطرابات السياسية التي عانت منها عام 2021، عكس انسحابها السريع من روسيا عقب غزوها لأوكرانيا.
هذا الاختلاف في النهج يقدم لمحة عن طريقة عمل شركات البترول الكبرى وما الذي يحفزهم حقاً خلال الحروب والاضطرابات السياسية وعمليات التأميم والتقلبات العنيفة في أسعار السلع الأساسية؟
أعلنت شركة “بريتيش بتروليوم” و “شل” و “إكسون موبيل” وغيرها من شركات البترول الكبرى بسرعة كبيرة عن قراراتها بوقف عملياتها في روسيا، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى ضغوط الحكومات والمستثمرين، كما أعلنت “بريتيش بتروليوم” عزمها الانسحاب بعد ثلاثة أيام فقط من بدء روسيا هجومها.
تعرضت شركات البترول الكبرى أيضاً لضغوط من أجل انسحاب “مسؤول” من ميانمار لأن عائدات أعمالها في قطاع البترول والغاز، والتي تقدر بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً، تذهب مباشرة إلى حكومة البلاد التي تقمع المواطنين المؤيدين للديمقراطية بلا رحمة، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
مع ذلك، لم تكمل “توتال إنرجيز” و “شيفرون” و “وودسايد بتروليوم” الأسترالية انسحابها من ميانمار إلا في أواخر يناير، أي بعد ما يقرب من عام من الاضطرابات في فبراير عام 2021.
يمكن القول إنه سيكون من الأسهل على شركات البترول الغربية الانسحاب من ميانمار، التي تحتل المركز 33 فقط في إنتاج الغاز، على عكس روسيا التي تحتل المركز الثاني، كما يمكن لتلك الشركات الانسحاب دون أي تأثير على أمن الطاقة في الولايات المتحدة وأوروبا خاصة أن ميانمار تصدر الغاز فقط إلى تايلاند والصين.
قال مو ثوزار، الزميل في أحد معاهد الأبحاث في سنغافورة، إن تأخر الشركات في الانسحاب من ميانمار قد يكون لأنهم يرون مشاكلها السياسية شأناً داخلياً، في حين أن الغزو الروسي لأوكرانيا هو “انتهاك واضح لسيادة دولة ما”.
وفي الواقع، ليس هناك علاقة تذكر بين انسحاب “توتال” و “شيفرون” وانتهاكات حقوق الإنسان، بل إنهم ينسحبون مع تضاؤل فرصهم هناك.
عندما انفتحت ميانمار على الاستثمار الأجنبي المباشر في التسعينيات، بدأت شركتا “توتال” و “يونوكال” الأمريكية، التي استحوذت عليها شركة “شيفرون” لاحقاً، في التنقيب في حقل يادانا للغاز في بحر أندامان، كما أطلقت “تكساكو” الأمريكية أيضاً مشروع حفر في حقل غاز يتاغون هناك.
رغم انسحاب “تكساكو” من المشروع في عام 1997 بعد أن فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية على حكومة ميانمار آنذاك، ظلت “توتال” و “يونوكال” وبدأت الإنتاج في حقل يادانا في عام 1998.
اتبعت الشركات الآسيوية خطى تلك الشركات، حيث استحوذت شركة “بتروناس” الماليزية الحكومية على مصالح شركة “تكساكو”، بينما بدأت شركة “بوسكو إنترناشونال” الكورية الجنوبية وهيئة البترول في تايلاند مشروعات تطوير غاز جديدة.
عادةً ما تجني ميانمار عائدات باهظة من العملات الأجنبية من 4 حقول غاز رئيسية، إذ تصدر 80% من إنتاجها عبر خطوط الأنابيب.
يذكر أن شركات الطاقة الأمريكية والأوروبية عادت إلى ميانمار فقط بعد تحولها إلى الحكم المدني في عام 2011، حيث قدمت عطاءات للحصول على حقوق ضخ الغاز من مناجم أعماق البحار التي لم تُستغل بسبب الحاجة إلى قدرات عالية التقنية.
كانت هذه الشركات الأجنبية تأمل في العثور على حقول غاز ضخمة، في ضوء الطلب القادم من الصين وتايلاند، وكذلك لتلبية احتياجات ميانمار المتزايدة، وبهذا المعنى كانت ميانمار آخر الحدود الآسيوية للشركات الغربية، ليس فقط من حيث الموارد، بل أيضاً في أي مكان آخر.
سرعان ما أصيبت تلك الشركات بخيبة أمل، وبدأت حقول الغاز في ميانمار في الاستنزاف في وقت أبكر بكثير مما كان متوقعاً.
بلغ إجمالي الإنتاج 12.2 مليار متر مكعب في عام 2010 وبلغ ذروته عند 19.2 مليار متر مكعب في عام 2015 قبل أن ينخفض إلى 17.7 مليار متر مكعب بحلول عام 2020، بحسب شركة “بريتيش بتروليوم”.
بدأت شركات البترول في استكشاف آبار المياه العميقة بحلول هذه المرحلة لتعويض إنتاج الغاز المتضائل، لكن هذا الأمر أثبت فشله أيضاً.
عادةً ما ينطوي استكشاف حقول الغاز في المياه العميقة على مخاطر عالية، فعلى سبيل المثال تستلزم عملية حفر بئر تجريبي استثمار 10 مليارات ين، مقارنة بما يتراوح بين 1 إلى 2 مليار ين في بئر ضحلة في البحر.
بالنظر إلى بيئة الأعمال الضعيفة لشركات البترول الكبرى، أعطتها الاضطرابات السياسية في فبراير من 2021 ذريعة لتوديع ميانمار، وبالتالي بدأت الشركات في الانسحاب لخفض خسائرها.
تتمتع شركات البترول الغربية الكبرى بفرصة كبيرة للعودة إلى روسيا بعد بوتين وستكون حريصة على اقتناص الفرصة بمجرد توافرها مرة أخرى، لكنها لن تعود على الأرجح إلى ميانمار، التي أظهرت صعوبة في توفير المكاسب الكبيرة التي تسعى إليها تلك الشركات.