كانت ألمانيا تتباطأ فى تنفيذ مقترح الاتحاد الأوروبى بحظر واردات الطاقة الروسية منذ غزو أوكرانيا.
وفى 2 مايو، أشار وزير المالية الألمانى كريستيان ليندنر، ووزير الاقتصاد روبرت هابيك، إلى أن الحكومة مستعدة لدعم قرار الاتحاد الأوروبى حظر واردات البترول الروسى، وهو ما أتاح للمفوضية الأوروبية إمكانية أن تعلن فى 4 مايو، أنها ستقترح مثل هذا الحظر حتى نهاية العام، رغم أن الحكومات الأعضاء الـ27 يجب أن توافق جميعاً.
مع ذلك، بالنسبة لألمانيا ذات الصناعة الثقيلة، يمثل البترول مشكلة أصغر بكثير من مشكلة الغاز؛ حيث يقول السياسيون الألمان، إنَّ فرض حظر مفاجئ على واردات الغاز الروسى لن يكون مجدياً.
من هنا، أثير سؤال مهم حول: ما مدى اعتماد ألمانيا على الطاقة الروسية؟
إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، فإنَّ مصدر الطاقة المحلى الوحيد فى ألمانيا هو الليغنيت، وهو نوع قذر من الفحم يشكل حوالى 9%، ويتناقص من استهلاك الطاقة الأولية (أى ما يأتى مباشرة من الموارد الطبيعية، مثل البترول، وليس العمليات الثانوية، مثل الكهرباء).
لكن الغالبية العظمى من الوقود الأحفورى الذى تحرقه الدولة مستورد، وكذلك اليورانيوم الذى يشغل محطاتها النووية الثلاث المتبقية.
ويشكل البترول والغاز مجتمعين حوالى 60% من الطاقة الأولية، ولطالما كانت روسيا أكبر مورد لكليهما.
عشية الحرب فى أوكرانيا، قدمت روسيا ثلث البترول الألمانى، وحوالى نصف وارداتها من الفحم وأكثر من نصف الغاز، بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
يعود هذا الاعتماد إلى أكثر من نصف قرن، ففى الستينيات كانت الصناعة الثقيلة فيما كان يُعرف آنذاك بألمانيا الغربية تريد طاقة رخيصة، وكانت مستعدة لتزويد الاتحاد السوفييتى بخطوط أنابيب لازمة لضخ الغاز.
فى غضون ذلك، كانت حكومات ألمانيا الغربية حريصة على تهدئة العلاقات السياسية مع السوفييت، وعززوا فيما بعد العلاقات الاقتصادية تحت راية «التغيير من خلال التجارة»، وعززت العلاقات من خلال بناء خطى «نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2»، وهما خطا أنابيب للغاز يربطان ألمانيا مباشرة بالغاز الروسى تحت بحر البلطيق، متجاوزين أوكرانيا.
قبل الحرب، علق المستشار الألمانى أولاف شولتز العمل فى خط «نورد ستريم 2»، الذى لم يكن قد بدأ عملياته بعد.
تتخلص ألمانيا بالفعل بشكل تدريجى من الفحم والبترول الروسيين، فقد انخفضت حصة واردات البترول الألمانية القادمة من روسيا من 35% إلى 12% منذ بداية الحرب، كما انخفضت واردات الفحم من 50% إلى 8%.
وفى 26 أبريل، قال «هابك»، إنَّ جميع الاستعدادات لإنهاء وجود البترول الروسى فى ألمانيا يجب أن تكون جاهزة فى غضون أيام، كما بدأت الحكومة فى الاستيلاء على أصول الطاقة المملوكة لروسيا.
أما فى 4 أبريل، فتولى منظم الشبكة فى ألمانيا مسئولية منشأة لتخزين الغاز، وهى مملوكة لشركة تابعة لشركة «غازبروم»، كما يعد البرلمانيون قانوناً لمصادرة مصفاة التكرير «روسنفت» الرئيسية فى البلاد.
لا تزال ألمانيا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسى، على الرغم من خفض الحصة القادمة من الحقول الروسية من 55% إلى 35% منذ الحرب فى أوكرانيا، وسيكون المزيد من التخفيضات مؤلمة، خاصة أن ألمانيا تتلقى كل غازها عبر خطوط الأنابيب وليس لديها حتى الآن أى محطات عمل لاستيراد الغاز الطبيعى المسال.
وفى منتصف أبريل، خصصت وزارة المالية الألمانية 2.5 مليار يورو لاستئجار محطات عائمة قد تعمل بحلول الشتاء.
كما التزمت بتسريع بناء المحطات المناسبة، لكنها لن تكون جاهزة قبل أعوام، وحتى ذلك الحين يجب على ألمانيا استيراد الغاز الطبيعى المسال عبر دول أخرى.
فى الوقت نفسه، تعد سلاسل الإمداد فى الصناعة الألمانية عرضة لنقص الغاز وارتفاع أسعار الطاقة، فإذا قُطعت الإمدادات الروسية، فسيتعين تقنين الغاز بحلول أواخر الشتاء، بحسب تحليل أجرته ستة معاهد بحثية اقتصادية رائدة.
وتقدر تلك المعاهد أن فرض حظر كامل على الطاقة الروسية من شأنه خفض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 2% إلى 6%، وبالتالى فإن معظم الألمان يفضلون نهج الحكومة المتمثل فى فطم البلاد تدريجياً عن الغاز الروسى.
مثل الدول الأخرى فى أوروبا، لم تستثمر ألمانيا ما يكفى فى تنويع إمدادات الغاز والبترول، والنتيجة هى الاعتماد على الطاقة الروسية، ما يمنعها من الموافقة على فرض عقوبات سريعة على البلاد.
ربما يكون قادتها متحمسين لفكرة فرض حظر على البترول، لكن اعتمادهم على الغاز سيستمر لفترة من الوقت.