يقول خبراء الاقتصاد إن الركود العالمي ليس وشيكاً، لكنه يهيء الوضع للمعاناة من ارتفاع التكاليف وتباطؤ النمو.
قال كبير الاقتصاديين العالميين في وحدة “إيكونوميست إنتليجنس يونيت”، سايمون بابتيست : “لن يكون هناك مرحلة مفاجئة بعد الركود التضخمي”، في إشارة منه إلى ركود مفاجئ بعد فترة من الركود التضخمي.
مع استمرار الحرب في أوكرانيا والاضطرابات المتعلقة بتفشي وباء كوفيد في إحداث فوضى في سلاسل الإمداد، فإن الركود التضخمي- الذي يتميز بنمو منخفض وارتفاع في الأسعار- سيستمر “لمدة 12 شهراً قادمة على الأقل”، كما قال بابتيست في تصريحات لشبكة “سي.إن.بي.سي” الإخبارية الأمريكية الأسبوع الماضي.
وأضاف أن “أسعار السلع ستبدأ في الانخفاض اعتباراً من الربع السنوي المقبل .. لكنها ستظل أعلى بشكل دائم مما كانت عليه قبل حرب أوكرانيا لسبب بسيط وهو أن الإمدادات الروسية من العديد من السلع الأساسية ستنخفض بشكل دائم”.
أدى الوباء وكذلك الحرب في أوكرانيا إلى خنق إمدادات السلع والبضائع وقلب التوزيع الفعال من خلال سلاسل الإمداد العالمية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع اليومية مثل الوقود والغذاء.
لكن في حين أن الأسعار المرتفعة ستسبب ألماً للأسر، فإن النمو في أجزاء كثيرة من العالم، رغم بطئه، ما زال يتأرجح، كما أن أسواق العمل لم تنهار بعد.
يذكر أن مستويات البطالة في العديد من الاقتصادات بلغت أدنى مستوى لها منذ عقود زمنية.
وعلى الرغم من أن المستهلكين حذرون تجاه إمكانية المعاناة من تكرار الركود العالمي الأخير الذي سببته أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر في الولايات المتحدة منذ أكثر من 10 أعوام، فإنهم لا يحتاجون إلى البدء في الاستعداد للركود.
قال بابتيست: “لن تعاني جميع اقتصادات آسيا تقريباً من ركود على الأرجح، وذلك حتى لو كنا نتحدث عن فترات متتالية من الناتج المحلي الإجمالي السلبي”.
قال الاقتصادي إنه حتى لو كان الاقتصاد العالمي معرضاً لخطر الركود، فإن العديد من المستهلكين لديهم مدخرات وفيرة وخزنوا السلع المنزلية المعمرة، مشيراً إلى أنه “بالتالي لن تشعر بالسوء الذي تبدو عليه الأرقام الفورية”.
يعتقد شين أوليفر، كبير الاقتصاديين في “أيه إم بي كابيتال”، أن العالم لن يعاني من ركود الآن، على الأقل ليس قبل 18 شهراً أخرى.
وأوضح أوليفر في مذكرة: “منحنيات العائد أو الفجوة بين عوائد السندات طويلة الأجل والمعدلات قصيرة الأجل لم تنعكس بشكل حاسم أو تحذر من الركود، وحتى لو فعلت الآن، فإن متوسط المدة التي يمكن أن يظهر خلالها الركود ستكون 18 شهراً”.
يرى أيضاً أنه يمكن تجنب سوق هابطة عميقة في الولايات المتحدة وأستراليا.
في الوقت نفسه، تعمل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، فقد أعلن البنك الاحتياطي الفيدرالي المركزي عن أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ أكثر من 22 عاماً في بداية شهر مايو الجاري، ورفع سعر الفائدة القياسي بمقدار نصف نقطة مئوية، وحذر من تطبيق المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة.
أشار محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الصادر يوم الأربعاء إلى أن المسئولين كانوا مستعدين للمضي قدماً في زيادات متعددة في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، في ظل محاولاتهم للسيطرة على التضخم.
كذلك، رفع بنك الاحتياطي النيوزيلندي، الذي كان يتبع سياسات تشددية أكثر من البنوك المركزية الأخرى، خلال الأسبوع الماضي معدل الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية أخرى إلى 2%، وكانت هذه هي الزيادة الخامسة على التوالي، كما أنه أشار إلى أن معدل السيولة سيصل إلى ذروته عند مستوى أعلى مما كان متوقعاً في السابق.
قال محافظ البنك المركزي النيوزيلندي أدريان أور: “نحن ملتزمون جداً للتأكد من أن معدل التضخم الفعلي يعود إلى النطاق المستهدف الذي يتراوح بين 1% إلى 3%.. نحن ما زلنا بعيدين جداً عن هذه النسبة، لكننا مصممون على احتواء التضخم”.
لكن الاقتصاديين يقولون إن هناك دائماً خطراً من أن تؤدي السيطرة على التضخم إلى حدوث ركود.
من المعروف أنه من الصعب السيطرة على التضخم المصحوب بالركود التضخمي حيث أن كبح جماح الأسعار المرتفعة من خلال رفع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى انخفاض النمو.
كلما ظل التضخم مرتفعاً لفترة أطول، زاد قلق أسواق الاستثمار من أن البنوك المركزية لن تكون قادرة على ترويضه دون التسبب في الركود.
كذلك، أكد الاقتصادي أوليفر على كلام رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول والذي أشار إلى أن رفع التضخم إلى 2% “سيشمل بعض الألم”.
مع ذلك، هناك بعض المتفائلين بالوضع، و قالت فيكي ريدوود، كبيرة المستشارين الاقتصاديين في “كابيتال إيكونوميكس”، إنها واثقة من أن البنوك المركزية ستكون قادرة على خفض التضخم دون مواجهة ركود.