التجارة مع روسيا كانت تشكل %6 من الناتج فى لاتفيا وليتوانيا
التضخم فى بولندا قفز %12.3 خلال أبريل وأصبح صداع للحزب الحاكم
عندما غزت روسيا أوكرانيا، ردت العديد من دول أوروبا الشرقية بشدة، خشية أن تكون التالية، وحثت حكومات تلك الدول، الاتحاد الأوروبى لشل الاقتصاد الروسى وانفقت كثيراً من المال لإرسال الأسلحة والمساعدات إلى أوكرانيا.
واستقبلت الدول الواقعة شرق الاتحاد الأوروبى معظم اللاجئين الفارين من الحرب والبالغ عددهم 5.6 مليون لاجئ.. لكن فعل الشيء الصحيح لا يأتى بثمن بخس، وبدأت تواجه تلك الدول تداعيات اقتصادية كونها فى الخطوط الأمامية للمواجهة.
كانت التجارة الضحية الأولى، إذ كانت روسيا سوقاً تصديرياً كبيراً لبعض الاقتصادات فى المنطقة، وكانت التجارة مع روسيا تشكل %6 من الناتج المحلى الإجمالى فى لاتفيا وليتوانيا عام 2021 و%1.5 فى بولندا وسلوفاكيا.
وفى عام 2021، تلقت روسيا نحو عُشر الصادرات القادمة من دول خارج الاتحاد الأوروبى من بولندا ودول البلطيق، والآن يحتمل قطع معظم هذه الروابط للأبد، لكنهم يرون فى ذلك ثمناً يستحق الدفع.
قال بيوتر أراك، رئيس المعهد الاقتصادى البولندى: «من المصلحة السياسية الرئيسية لبولندا ألا يعود الغرب لممارسة الأعمال التجارية مع روسيا».
وأشارت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية إلى أن التجارة المباشرة ليست سوى جزء من القصة، فقد اندرجت دول شرق الاتحاد الأوروبى فى سلاسل الإمداد الغربية، وتتجه اقتصاداتها، خاصة اقتصادات التشيك والمجر وسلوفاكيا، بشكل كبير نحو التصدير لألمانيا.. لذلك فإن أى ضربة للصناعة الألمانية ستضر بشدة بمورديها فى الشرق.
كذلك، تعد واردات الطاقة شائكة بشكل خاص، حيث تقول سلوفاكيا والمجر، اللتان حصلتا على %96 و%58 من بترولهما من روسيا العام الماضى، إن الاتحاد الأوروبى يجب أن ينفذ تدريجياً أى حظر بترولى يفرضه.
تستعد الدول الأخرى بشكل أفضل، فقد أنهت دول البلطيق واردات الغاز الروسى فى أبريل، وتعتمد الآن على الغاز الطبيعى المسال المستورد عبر السفن، كما حظرت بولندا الفحم الروسى، ومثل معظم الدول رفضت مطالبة روسيا بدفع ثمن الغاز بالروبل.
رداً على ذلك، أوقفت شركة «غازبروم»، التى تزود البلاد بنسبة %40 من الغاز، عمليات التسليم إلى بولندا وبلغاريا مؤخراً، لكن بولندا لديها خطة بديلة لاستيراد الغاز عبر محطتها للغاز الطبيعى المسال وخطوط أنابيب جديدة متجهة إلى شبكات الغاز فى النرويج وليتوانيا.
لا شك أن تجنب الطاقة الروسية سيشير إلى ارتفاع الأسعار، وسيكون ذلك مؤلماً بشكل خاص فى شرق أوروبا الأكثر فقراً.
كان التضخم أعلى بالفعل فى شرق أوروبا قبل الحرب على أوكرانيا، فقد وصل إلى رقم مزدوج فى دول عديدة فى أبريل.
وفى بعض الحالات، تحدد فواتير الطاقة الاستهلاكية عن طريق اللوائح التنظيمية، مما يؤدى إلى تأخير الألم، ففى سلوفاكيا، على سبيل المثال، سيتم تحديث الأسعار فى شهر يناير فقط.
يقول الخبير الاقتصادى ميشال هورفاث، إن «احتمال حدوث زيادة بنسبة %100 فى أسعار الغاز المنزلى لم يتراجع بعد».
بلغ التضخم فى بولندا %12.3 فى أبريل، وهو ما يمثل صداعاً للحزب الحاكم الذى سيخوض انتخابات العام المقبل، مع العلم أن السخاء الحكومى مسئول جزئياً عن الزيادات فى تكلفة المعيشة.
ولتخفيف الضربة، خفضت الحكومة البولندية ضريبة القيمة المضافة على المواد الغذائية والغاز والوقود والأسمدة، كما أنها تطلق على الحزمة الاقتصادية المرتقبة «درعاً مناهضاً لبوتين».
بالإضافة إلى ذلك، ستتخذ البنوك المركزية إجراءات أيضاً، خاصة من خلال رفع أسعار الفائدة، لكن سيكون لذلك عواقب غير سارة.
فى بولندا، حيث حوالى %90 من القروض المقدمة للأسر والشركات ذات معدلات متغيرة، فإن حاملى الرهن العقارى معرضون بشدة للانكشاف، كما شددت البنوك بالفعل معايير الائتمان إلى حد كبير.
وبجانب التضخم والارتفاع الصاروخى لأسعار المنازل وتراجع الثقة فى الأعمال، يمكن أن يؤدى ذلك إلى «عاصفة كاملة»، كما يقول آدم تشيرنياك، رئيس الأبحاث فى مؤسسة «بوليتيكا إنسايت» فى وارسو.
تعنى أسعار الفائدة المرتفعة والاقتصادات الضعيفة أن تكلفة خدمة الديون الحكومية المتزايدة ستصبح أعلى، خصوصا فى دول مثل المجر حيث الديون مرتفعة بالفعل.
كذلك، سيؤدى الإنفاق على اللاجئين إلى زيادة التضخم، فعلى سبيل المثال المسكن، حيث قفزت الإيجارات فى العاصمة البولندية وارسو بأكثر من %30 منذ نهاية فبراير.
ويزداد أيضاً الضغط على الخدمات العامة، فقد ازداد سكان بولندا بنحو %8 منذ اندلاع حرب أوكرانيا فى أواخر فبراير، وهذا يضغط على الرعاية الصحية والتعليم، والتى كانت بالفعل فى وضع سيئ.
ومع ذلك، سيعوض ذلك جزئياً من خلال انضمام الوافدين الجدد إلى القوى العاملة المحلية.
وفى سلوفاكيا والمجر، أدى تفانى المنظمات غير الحكومية والمواطنين العاديين إلى تعويض نقص الخدمات العامة للاجئين.
تبدو التكاليف الاقتصادية للحرب على أوروبا الشرقية باهظة، لكن يبدو أن ذلك لم يخفف من عزيمة الدول، فهى تنظر إلى الضربة الاقتصادية على أنها أمر يمكن التحكم فيه.
ولم يشهد الاقتصاد البولندى، الذى لايزال قوياً، ركوداً منذ نحو ثلاثة عقود حتى تفشى الوباء، كما يشير فويتشيك كوبتشوك، من جامعة كولومبيا.
لقد عانت دول البلطيق بشكل أسوأ بكثير خلال الأزمة المالية- كما يوضح مورتن هانسن، من مدرسة ستوكهولم للاقتصاد- وقد استوعب المواطنون هذه المعاناة لأنهم كانوا بحاجة للانضمام إلى اليورو، وهو جزء من الدافع الاستراتيجى للدول للاندماج فى الغرب.
وكما هو الحال فى الأزمة الحالية، كانوا على استعدادا لتحمل آلام اقتصادية لحماية استقلالهم.
على صعيد آخر، سيكون للحرب وعواقبها بعض الفوائد الاقتصادية لأوروبا الشرقية، إذ تهدف بلغاريا أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، وتستفيد بولندا بشكل خاص من إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب واندماجها المتزايد فى الاتحاد الأوروبى.