حدثت التقلبات الماضية فى الأسواق المالية العالمية جزئياً لأن السوق غير متأكد من اتجاه السياسة الاقتصادية فى فترة ما بعد كوفيد فى الولايات المتحدة والصين، وفى حين أن التضخم هو على الأرجح التحدى الأكبر الذى يواجه الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، فقد أصبح النمو النقطة المحورية فى مداولات بنك الشعب الصينى.
نظرًا لأن «الاستقرار» هو الكلمة الرئيسية لسياسة الصين الاقتصادية عام 2022، فقد فوجئ بعض المستثمرين بأن السياسة النقدية لبنك الشعب الصينى لم تكن نشطة كما كانوا يأملون، وازدادت هذه المشاعر قوة بعد أن دخل عدد من المدن الصينية فى عمليات إغلاق بدرجات متفاوتة من الخطورة استجابة لانتشار متحور أوميكرون من كوفيد 19.
فى وقت سابق من الأسبوع الحالى، حذر رئيس الوزراء الصينى، لى كه تشيانج، من أن ثانى أكبر اقتصاد فى العالم قد يواجه صعوبة فى تسجيل نمو إيجابى فى الربع الحالى، وقال «سنحاول التأكد من نمو الاقتصاد فى الربع الثانى.. هذا ليس هدفاً عالياً وبعيدا كل البعد عن هدفنا البالغ 55%».
يجادل البعض بأن تباطؤ الاقتصاد الصينى ينذر بالخطر لدرجة أن هناك حاجة ماسة إلى التيسير النقدى القوى الذى يهدف إلى استقرار النمو بأى ثمن.
إنصافاً للبنوك المركزية، فإن فن الموازنة بين أهداف السياسة النقدية المتعددة لم يكن أبدًا سهلاً، حتى فى بيئة اقتصادية «عادية» وظروف سوق أكثر هدوءاً، ويواجه بنك الشعب الصينى مجموعة من التحديات، بدءاً من تثبيت سعر صرف الرنمينبى فى الخارج إلى المضى قدماً فى الإصلاح المالى محلياً، ولا تتوافق هذه الأهداف دائماً بشكل جيد مع بعضها البعض وقد تتعارض من وقت لآخر.
إذا كان هناك أى شيء، فقد جعل كوفيد عملية التوازن التى يقوم بها البنك المركزى أكثر حساسية، ومن ناحية أخرى، يشكل التباطؤ الاقتصادى الناجم عن الوباء، إلى جانب الانتقال المستمر للصين إلى نموذج نمو أكثر استدامة، تحدياً لبنك الشعب الصينى مع سعيه إلى الحفاظ على النمو وضمان التوظيف.
من ناحية أخرى، يجبر ارتفاع التضخم البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم على تقليص برامج التحفيز ورفع أسعار الفائدة بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا فى السابق، ومثل هذه التحركات من قبل أقرانه الدوليين تحد من مجال المناورة للبنك المركزى الصينى.
قد يؤدى المزيد من التيسير إلى إضعاف الرنمينبى، ورغم أن ضعف اليوان قد يساعد على الأرجح فى الصادرات والميزان التجارى للصين، إلا أنه سيجعل الاحتفاظ بالسندات المقومة باليوان أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب.
على الصعيد المحلى، قد تحقق جرعة قوية من التيسير النقدى الهدف المنشود المتمثل فى تعزيز النمو قصير الأجل، لكنها ستخاطر بتضخيم فقاعات الأسهم والإسكان، وما يجعل الأمور أكثر صعوبة أنه ليس من المؤكد أن المزيد من التيسير النقدى من شأنه أن يحقق الهدف المنشود، وتبددت آثار الجولات السابقة من التحفيز بسرعة وفشلت فى تغيير الطلب الفاتر على الاقتراض فى الاقتصاد الحقيقى، وخاصة من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
لم يتسبب «كوفيد» فى العديد من المشكلات فى الاقتصاد الصينى، لكنه جعلها أكثر حدة. يمكن إرجاع العديد من الصعوبات التى يواجهها بنك الشعب الصينى إلى برنامج التحفيز المالى لعام 2009 بقيمة 4 تريليونات رنمينبى إذ ارتفعت أسعار المنازل ومستويات الديون بشكل حاد منذ ذلك الحين، فيما كانت أحوال مشابهة للازدهار الاقتصادى ثم الكساد المدفوع بالائتمان فى اليابان فى أواخر الثمانينيات وفى الولايات المتحدة قبل الأزمة المالية العالمية.
ما كان سيساعد فى الولايات المتحدة واليابان فى ذلك الوقت، وما يحتاجه بنك الشعب الصينى للتركيز عليه اليوم، هو إدارة أفضل للتوقعات، وأصبح الاعتقاد الراسخ الجذور والواسع النطاق بأن الحكومة الصينية ستبذل دائمًا كل ما فى وسعها لضمان النمو السريع وأسعار الأصول المتزايدة بحد ذاته اعتقادا خطيرًا جدا، لاسيما وأن الاقتراض غير المسئول، والاستثمار القوى، وارتفاع أسعار المساكن والاستثمار الممول بالديون الذين أعقبوا محفزات عام 2009، أعاقت لاحقًا قدرة بنك الشعب الصينى على التصرف أثناء جائحة كوفيد.
أعرب القادة الصينيون عن قلقهم من أن العقلية المفرطة فى التفاؤل قد تؤدى فى النهاية إلى أزمة مالية ومخاطر نظامية، وقد تكون هذه المخاوف أيضًا بمثابة تقييد لبنك الشعب الصينى عندما يتعلق الأمر بإصدار المزيد من الحوافز النقدية القوية استجابة لعمليات الإغلاق الأخيرة.
فى الدفاع عن بنك الصين الشعبى، يمكن القول إن السياسة الاقتصادية الأوسع نطاقاً للصين اتخذت بالفعل منعطفاً مهماً، وإن كان دقيقاً، قبل وقت طويل من اندلاع الوباء، ومع انتقال أولويات السياسة من نموذج النمو عالى السرعة القديم إلى نموذج عالى الجودة أكثر استدامة وشمولاً وصديقًا للبيئة فى المستقبل، لا ينبغى أن يكون مفاجئًا أن يتم تعديل السياسة النقدية لبكين وفقًا لذلك.
بقلم: زو نينج، أستاذ المالية فى معهد شنغهاى المتقدم للتمويل.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.