أسهمت طفرة التجارة الإلكترونية أثناء تفشي الوباء، في تعزيز ظاهرة “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” وانتشارها في عالم البيع بالتجزئة، وهو ما جعل أسماء بعض الشركات مشهورة مثل مجموعة المدفوعات السويدية “كلارنا”، وهي أكثر الشركات الناشئة الخاصة بمجال التكنولوجيا المالية قيمة في أوروبا في آخر جولة لها لجمع الأموال في يوليو 2021.
مع ذلك، فإن نموذج عمل القطاع يتعرض لضغوط كبيرة، إذ يتسبب ارتفاع أسعار الطاقة والأسر في ضغط المستهلكين لميزانياتهم، وهو ما لا يضر بالإنفاق الإجمالي فقط، بل أيضاً يزيد مخاوف تراجع قدرة مستخدمي برنامج “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” على الالتزام بالمدفوعات.
في الوقت نفسه، يهدد ارتفاع أسعار الفائدة بزيادة تكاليف التشغيل، كما أن المزاعم عن تراجع الشفافية بشأن مخاطر الديون والرسوم تهدد بإثارة رد فعل سلبي من الجهات التنظيمية.
تعمل “كلارنا” على تخفيض قوتها العاملة بنسبة 10% وسط تكهنات بأنها تجمع الأموال بتقييم أقل بكثير. مع انخفاض أسعار أسهم بعض الشركات العامة لما يصل إلى 90% العام الماضي، فإن القطاع على وشك اكتشاف ما إذا كان الوعد بتوفير ائتمان سهل لإبهاج النفس بالشراء قد ينجو من أزمة تكلفة المعيشة.
يقول أمان بهزاد، الشريك الإداري في شركة الاستشارات المالية للتكنولوجيا المالية “رويال بارك بارتنرز”: “مع برنامج اشترِ الآن وادفع لاحقاً، هناك ضربة ثلاثية للشركات، فهي تواجه إيرادات منخفضة وتكاليف متزايدة وتدهور جودة القروض”.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن جاذبية برامج الشراء هذه بسيطة، فهي تسمح للمستهلكين بتأجيل تكلفة المشتريات أو تقسيمها دون دفع الفائدة ما لم يتخلفوا عن الدفع، وقد تخلص بعض مقدمي الخدمة، مثل “كلارنا”، من المدفوعات المتأخرة أو رسوم الفائدة.
يقول النقاد، إن هذا أمر مغري بشكل خاص للشركات ذات التصنيفات الائتمانية المنخفضة، لكن الشركات تجادل بأنها أكثر أماناً للمستخدمين من بدائل مثل بطاقات الائتمان عالية التكلفة.
تقدم كافة متاجر التجزئة للملابس والأحذية الكبيرة تقريباً الآن نسخة من برنامج “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” كخيار للدفع.
في أستراليا، أجريت واحدة من كل خمس عمليات شراء للملابس عبر الإنترنت في 2021 عبر هذا البرنامج، بحسب شركة تزويد البيانات “آر.إف.آي جلوبال”.
ويسمح بعض مقدمي الخدمة، بمن فيهم شركة “زيلش” في لندن، للمستهلكين باستخدام البرنامج لدفع ثمن أغراض البقالة وفواتير الكهرباء، رغم أن البعض الآخر يبتعد عن مثل هذا الإنفاق الأساسي.
ويدفع تجار التجزئة للشركات عمولة مثلما يدفعون لمقدمي بطاقات الخصم والائتمان رسوما يتم تقاضيها على مشتريات البطاقة.
كانت سهولة الاستخدام والتكامل مع قطاعات مثل الأزياء أساسا للنمو السريع لهذا القطاع.
يقدر الباحثون أن قيمة السوق البريطانية بلغت 5.7 مليار جنيه استرليني في 2021، أي أكثر من ضعف الرقم الذي حسبته هيئة السلوك المالي في 2020.
رغم أن برنامج الشراء هذا ما يزال يمثل نسبة قليلة من إجمالي سوق الائتمان، فإن توسعه دفع البنوك الرئيسة والمنافسين الرقميين لتصميم منتجات مشابهة للمنافسة.
يقول بهزاد إن “البنوك تشعر بالقلق من فقدان سجلات بطاقات الائتمان لمحال التجزئة، حيث تنمو قيمة سجلات بطاقات الائتمان بمعدل 1 ـ 2% سنوياً، بينما ينمو برنامج “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” بنسبة 20%”.
يجادل النقاد بأنه ليس كل المستهلكين يدركون حقيقة أن ما يتعاملون معه هو شكل من أشكال الدين.
رداً على الانتقادات، أعلنت شركة “كلارنا” العام الماضي تدابير تتضمن صياغة جديدة توضح للعملاء بشكل تام أن ما يقدم لهم هو ائتمان.
لكن مع ارتفاع فواتير الطاقة والتضخم، فإن الطلب على الائتمان يدفعه بشكل متزايد المستهلكون بتدفقات نقدية محدودة، بحسب سولاب أجاروال، مدير المدفوعات العالمية في شركة “أكسينتشر”.
في الوقت نفسه، يتراجع عدد الخيارات المتاحة لأولئك الذين لديهم تاريخ ائتماني ضعيف أو محدود، فقد عانى مقرضو الرهن العقاري عالي المخاطر بالمملكة المتحدة الذين ازدهروا عقب الأزمة المالية في 2008 في الأعوام الأخيرة بعد موجة من الشكاوى.
يجد نصف الذين عليهم قروض برنامج “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” بالمملكة المتحدة إنهم صعوبة في مواكبة فواتير المعيشة وتسديد الائتمان، بحسب استطلاع أجرته مؤسسة “ستيب تشينج”، مقارنة بالمتوسط العام البالغ 30%.
لا يقتصر الأمر على المملكة المتحدة وحدها، فقد وجد استطلاع أجراه البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على 11 ألف شخص أنه من بين الـ 10% الذين قالوا إنهم استخدموا المنتج خلال العام السابق، قال أكثر من نصفهم إن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها تحمل تكاليف مشترياتهم.
تقول “كلارنا” إنه من “الجيد دعم المستهلكين في إدارة تدفقاتهم النقدية دون تمرير التكاليف الزائدة إليهم”، مشيرة إلى أن نموذج أعمالها ممول من تجار التجزئة وليس من العملاء.
وتوضح الشركة أنها تجري عمليات تدقيق على كل عملية شراء للتحقق من قدرة تحمل التكلفة لمحاولة تفادي “فخ الديون من الائتمان المتجدد ورسوم الفائدة المرتفعة”.
رغم أن مثل هذه البرامج قد تكون أداة مفيدة للمستهلكين القادرين على سداد المدفوعات، فإن أولئك الذين يتخلفون عن السداد قد يجدون أنفسهم يعاقبون.
يقول جيمس ويلكينسون، رئيس الإقراض والمخاطر في شركة مصلحة المجتمع “فير فور يو”، إن عدد معاملات “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” تضاعف بين المتقدمين تقريباً منذ أكتوبر، عندما توقفت الحكومة البريطانية عن دفع 20 جنيه إسترليني في الأسبوع لمن يتلقون مزايا الرعاية الاجتماعية المقدمة في بداية الوباء.
يشير كل هذا إلى أن أوقاتاً عصيبة تنتظر شركات المدفوعات، فقد أبلغت “كلارنا”، التي كانت مربحة حتى 2019، عن خسائر تشغيلية بلغت 748 مليون دولار في 2021، ناجمة جزئياً عن خسائر ائتمانية مرتفعة من ضمانات العملاء الجدد وغير المعروفين مقارنة بالمستهلكين العائدين الذين لديهم سجلات دفع، لكن إجمالي الخسائر كان أقل من 1%.