كان العمل الهجين والعمل عن بُعد، سبباً فى تغيير ثقافات أماكن العمل حول العالم، لكن التغيرات كانت هائلة بشكل خاص فى اليابان، التى تشتهر بساعات العمل الطويلة والإنتاجية المنخفضة، فغالباً ما يكون التواجد فى المكتب والمغادرة بعد رئيسك أكثر أهمية مما يُنجز بالفعل.
لقد أعادت العديد من الشركات العاملة فى ثالث أكبر اقتصاد فى العالم، بدءاً من وكالات الترفيه إلى مطورى البرامج، التفكير فى أنماط عملها نتيجة لتفشى وباء كوفيد.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن سلسلة من الأزمات الطبيعية، وأبرزها زلزال توهوكو 2011 وإعصار تسونامى الذى تسبب فى كارثة فوكوشيما، كانت بمنزلة نداءات تنبيه بالفعل للرؤساء التنفيذيين فى اليابان بضرورة تنويع المخاطر.
تماشى هذا مع سياسة الحكومة، التى تقدم إعانات لنقل مواقع الشركات، وذلك فى المقام الأول لدعم المناطق و«التخلص من المخاطر» التى تهدد العاصمة، لكن عادات العمل فى الدولة التى دامت عقودا جعلت فكرة مغادرة طوكيو تبدو شبه مستحيلة قبل الجائحة، حيث يتركز فى تلك المنطقة العملاء والجامعات والوزارات.
الآن، يتخلص الجميع من هذا الاعتقاد الراسخ، إذ أشارت شركة «تيكوكو داتابانك» لمعلومات الأعمال التجارية إلى أن أكثر من 350 شركة نقلت مكاتبها الرئيسة من طوكيو والمحافظات المجاورة لها إلى الريف فى العام الماضى، وهو رقم قياسى.
كما أنه ولأول مرة منذ 11 عاماً، كان عدد الشركات التى غادرت العاصمة أكثر من تلك التى انتقلت إليها، وهذا يدعم أرقام الاتجاهات السكانية الصادرة عن وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، التى أظهرت أنه فى 2021 كان عدد الأشخاص الذين غادروا أحياء طوكيو المركزية البالغ عددها 23 أكبر من الذين وصلوا لها، وذلك لأول مرة منذ بدء عمليات التسجيل.
قال يوتاكا أوكادا، أحد كبار مسؤولى الأبحاث فى شركة «ميزوهو ريسيرش أند تكنولوجيز»: «اتجاه الشركات التى تنتقل إلى المناطق الإقليمية لن يتوقف على الأرجح، فالشركات ستختار بعناية ما الأفضل فى طوكيو«.
وأضاف أن اليوم، مع تزايد انعدام اليقين وسط الوباء وأزمة روسيا وأوكرانيا، «فمن المتوقع نقل بقية الأعمال إلى مكان آخر فى جهود لخفض التكاليف» استعدادا للمستقبل.
تعمل الشركات العديدة التى انتقلت بعيداً عن العاصمة طوكيو على إنشاء أعمال جديدة، فقد بدأت وكالة «أميوز» للمواهب المدرجة فى البورصة ومقرها طوكيو فى يوليو الماضى بإنشاء مقر رئيسى جديد يجمع بين الاستوديوهات وغرف التدريب عند سفح جبل فوجى، والذى يبعد نحو ساعتين بالسيارة.
احتفظت الشركة بمكاتبها فى طوكيو، التى قلصت عددها بشكل كبير، باعتبارها «منطقة عبور» لتجهيز المستندات عند مقابلة العملاء، مثلاً.
قال المسؤول التنفيذى نوبوهيرو كاشيواجى إن «المكتب الرئيسى الجديد يعمل كورشة عمل للمحتوى الإبداعى، وهذا لا يعنى أننا نعتزم نقل الأعمال بأكملها فى طوكيو إلى سفح جبل فوجى، لكننا نريد أن نشجع نموذج العمل الذى يكون فيه المكان غير مهماً».
حتى الآن، انتقل 20 شخص إلى المنطقة الجبلية، لكن الآخرين فى الغالب يقومون برحلة عند الضرورة من منازلهم فى العاصمة.
من المؤكد أن هناك البعض لا يشعرون بالحماسة تجاه الانتقال، لذلك يحذر الخبراء من أنه لا يمكن النجاح فى الأمر دون المشاورات اللازمة مع الموظفين.