مجلة “فورشن”: 69% من العاملين عن بعد لديهم وظيفة جانبية واحدة على الأقل
46% من الأمريكيين العاملين بوظائف جانبية يفعلون ذلك لدفع نفقات المعيشة الأساسية
كثيراً ما كنا نسمع عن مصطلح “الاكتناز” والذي طالما ارتبط بفترات عصيبة يكتنز فيها الأفراد كل ما هو ثمين دون استثماره وخوفاً من فقدانه، ولكن في الفترة الأخيرة التي شهدت تحولات اقتصادية كبيرة، حيث وصلت معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، ظهر ما يعرف “بالاكتناز الوظيفي” والذي يعني اعتماد الافراد على أكثر من وظيفة في نفس الوقت، ليثير الجدل بشأن فاعليته في زيادة الانتاجية وتأثيره على الهوية الوظيفية.
قالت مجلة “فورشن” الأمريكية، إن نحو69% من الأشخاص العاملين عن بعد لديهم وظيفة جانبية واحدة على الأقل. ولكن اقتصاد الوظائف المؤقتة لا يقتصر على الأشخاص الذين يعملون من منازلهم فقط، فنحو 13 مليون أمريكي لديهم وظيفتان عاديتان على الأقل وهو اتجاه ينمو بشكل مطرد في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
ونظرًا للاقتصاد غير المستقر، فإن هذه الأرقام ليست مفاجئة للغاية، حيث يستعين نحو46% من العاملين بوظائف جانبية، لدفع نفقات المعيشة الأساسية. والمثير للدهشة هو أن ما بين 25% إلى 33,3% من الأشخاص لا يفعلون ذلك من أجل المال، ولكن يفعلون ذلك من أجل المتعة الشخصية.
وتقول المجلة فى تقرير لها إن هناك اتجاهًا جديدًا بين الأشخاص ذوي الدافعية الفائقة في العمل، لاكتناز الوظائف. كما قد تؤدي الوظائف الجانبية إلى تعزيز احترام الذات لدى الموظفين وزيادة الإنتاجية، ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى تآكل هويتهم مع وظيفتهم الرئيسية.
وتضيف أن من يعملون فى أكثر من وظيفة لا يفعلون ذلك لأنهم مضطرون، بل لأنهم يريدون ذلك. وتبقى الفئات الأسرع نموًا لأصحاب الوظائف المتعددة هم المهنيون الحاصلون على تعليم جامعي والذين يشغلون بالفعل وظائف عالية الدخل. وهؤلاء ليسوا مجرد عمال من فئة الشباب، فالمتقاعدون مؤخرًا هم من بين هذه الحشود.
ولكن ما الذي أدى إلى ظهور هذا الاتجاه في العمل؟
ذكرت” فورشن ” أنه كان هناك تحول ثقافي بشأن تحديد معايير “المهنة الناجحة”. وقبل أكثر من ثلاثين عامًا، كان الاشخاص يصلون إلى القمة من خلال الزيادات والعلاوات والترقيات الوظيفية، وهو نهج متدرج يكافئ ابناء المؤسسة البارين بمعاش تقاعدي مرضي في النهاية. وكانت العلاقات بين الموظف وصاحب العمل أشبه بعقود الزواج الكاثوليكي الذي يستمر لسنوات طوال وربما لعقود من الزمن.
لكن أصبح الصعود إلى القمة حالياً أمراً أكثر مخاطرة، هناك مسارات جانبية على البعض أن يسلكها من أجل اقتناص فرصة وظيفية، مثل بدء نشاط تجاري أو البحث عن “فرص نمو” جديدة. في بعض الحالات، يكون ازدحام حياة المرء بمهن جانبية إضافية مجرد مؤشر على القوة والتأثير.
وضربت المجلة مثالًا بالرؤساء التنفيذيين الذين يخدمون بشكل روتيني في مجالس إدارة العديد من الشركات الأخرى، تسمح لهم مناصبهم بتوسيع نفوذهم إلى ما هو أبعد من نطاق شركاتهم وإظهار مدى اتساع نطاق شبكاتهم. ويضع القادة المعايير، لذلك ليس من المستغرب أن يرى الناس ذو المناصب الأقل هذا السلوك الإداري، فهذه الرؤية تكفي لاعتقادهم بأنهم أيضًا في حاجة لوظيفة جانبية ثانية أو ثالثة أو رابعة تمنحهم مزايا مختلفة.
وبدأت الشركات تشجيع الأعمال الجانبية بشكل صريح، معتبرة أن المعرفة المكتسبة من القيام بعمل جانبي يمكن أن تفيد بشكل مباشر في نمو الموظفين وتطورهم والذي يعتبر الهدف الوظيفي الأساسي لعدد متزايد من الناس.
وإذا كانت هذه الوظائف الجانبية “تفيد المجتمع”، فإنها تسلط الضوء على التأثير الاجتماعي الذي يحدثه الموظفون. وفي حال معرفة الموظفين للكيفية التي يعمل من خلالها عالم المال والأعمال، فسيكون ذلك أفضل. ويستفيد أرباب العمل بشكل مباشر من المعرفة التي يكتسبها الأشخاص من خلال القيام بوظائف لا يدفعون لهم مقابل القيام بها.
هل الاكتناز الوظيفى أمر جيد أم سيئ؟
يبقى الجواب على هذا التساؤل أمراً معقداً بطبيعة الحال، فبصرف النظر عن الفوائد الواضحة لتوسيع مهارات الأشخاص والشبكات، فإن إحدى الفوائد النفسية المدهشة هي أن تولي وظائف متعددة يمكن أن يحمي احترامك لذاتك رغم فشلك في أدائها.
وتقول المجلة إن البشر يتمتعون ببراعة في التعامل مع الفشل من خلال إخبار أنفسهم، أنه كلما زاد عدد الأشياء التي تقوم بها، قل مستوى الألم عند فشله في تنفيذ إحداها. فنحن نعتمد على الأشياء التي نجيدها عندما يعطينا العالم ملاحظات حول الفشل، وبالتالي يكتشف الفرد مهاراته وينميها.
وتضيف أن الغريب في الأمر أن الكد يجعل الناس أكثر إنتاجية في العمل، وليس أقل، على الأقل وفقًا لوجهة نظرهم. كما وجدت إحدى الدراسات الاستقصائية أن 69% من الأشخاص الذين يشغلون وظيفتين بدوام كامل شعروا بأنهم أكثر إنتاجية عند القيام بوظائف متعددة، وشعر 31% بنفس القدر من الإنتاجية. كما يرى البعض أن الأعمال الجانبية تقلل التوتر وليس العكس.
هل هذه مبررات نفسية للعمل فوق طاقتك؟
يمكن، ولكن وفقًا لهؤلاء الموظفين، فإن الأنشطة الجانبية تعلمهم مهارات إدارة الوقت وتحديد الأولويات التي لا يحصلون عليها من وظائفهم الأساسية.
بالطبع، هناك تكلفة، فالإرهاق أمر واضح، وأحد أقوى التوقعات هو زيادة العبء المعرفي في العمل وعدم امتلاك القدرة العقلية على التوفيق بين كل شيء. ويمكن أن تشغل وظيفة جانبية تقضي 10 ساعات أسبوعيًا فيها 40 ساعة أسبوعيًا في ذهنك، وهو رقم يقلل معظمنا من تقديره بشكل كبير. وفي حال كانت وظيفتك الجانبية تتطلب تعدد المهام، فهناك فرصة جيدة لأنك تعمل لساعات كثيرة ولكنك تنجز القليل جدًا. فتعدد المهام يصبح مجرد خرافة، كما قد تؤدي الوظائف الجانبية إلى خسائر ذهنية فادحة.
ولكن ربما تكون أكبر تكلفة يتحملها الأفراد، والمنظمات، هي ما يفعله اكتناز المهنة بهويتنا في العمل. إن امتلاك “هوية عمل” قوية أمر جيد. ويمنح الناس إحساسًا بالأمن والشرعية ويساعدهم على تطوير روابط قوية وتعلم الأعراف الاجتماعية.
وأوضحت “فورتشن”، أن الأشخاص الذين ليس لديهم وظائف رئيسية يعانون من هذه الأشياء. كونك “وكيلًا حرًا” سعيدًا هو أمر مميز في عالم العمل، لكن الهويات تتطلب من يصونها. فكلما زاد الوقت الذي تقضيه في الوظائف الجانبية، كلما تآكل هويتك مع وظيفتك الرئيسية بمرور الوقت.
بمجرد أن تتآكل الهوية، تكافح المنظمات لإشراك الناس في المؤسسات العاملة بها. ويمكن أن يؤدي عدم التعرف على هويتك في العمل إلى تولي مهام جانبية، ولكن يمكن أن تؤدي الأنشطة الجانبية أيضًا إلى عدم تحديد هويتك في العمل.
وبمرور الوقت، قد نرى علاقة بين الاكتناز الوظيفي وظاهرة أخرى تتعلق بتآكل الهويات. في إحدى الدراسات الاستقصائية التي شملت 900 صاحب عمل، كان 83% ممن تقدموا لشغل الوظائف لم يتم قبولهم أو حتى رفضهم لأن الشركات لم تكن قادرة على تحديد مستواهم لشغلهم عدد من الوظائف المختلفة.
ولن يحدث الاكتناز الوظيفي في أي مكان، ولكن هناك طرقًا ذكية للقيام بذلك. إذا كنت تفكر في أخذ زمام المبادرة، ففكر في العبء الذي ستلحقه الوظائف الجانبية ليس فقط على رفاهيتك، ولكن على مدى قوة معرفتك بوظيفتك الأساسية. لأنه بمجرد حدوث ذلك، قد يكون من الصعب تعويضه.