أصبح من الصعب على بعض الأسواق الناشئة الاختباء من ثورة الدولار، ويخاطر البعض للبقاء على الهامش أو التراجع، بينما ترتفع أسعار الفائدة الأمريكية، بمزيد من التدهور فى العملات الضعيفة بالفعل، وما يترتب على ذلك من تفاقم التضخم فى الداخل، ويتطلب الوقوف فى وجه هذا المد الثبات، وربما أكثر من مجرد لمسة من العناد.
فى بيئة يرتفع فيها التضخم بعناد، لا يبدو أن الرفع الكبير المحتمل للفائدة من قبل الاحتياطى الفيدرالى سيكون غريباً.
قبل بضعة أشهر فقط، بدت فكرة تطبيق زيادة قدرها 100 نقطة أساس فى فكرة متطرفة، والآن، فهى مقبولة، وزادت قوة الدولار نتيجة ذلك، مسجلاً مستوى قياسياً مرتفعاً يوم الخميس مقابل سلة من عملات الأسواق الناشئة والمتقدمة. وهى قوة كبيرة مقارنة بحديث خسوف أمريكا عن نقطة ارتكاز الاقتصاد العالمى.
وتراجع اليورو إلى مستوى التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، وانخفض البات التايلاندى إلى أضعف مستوياته منذ عام 2006 يوم الخميس، ودخلت الليرة التركية أدنى مستوى لها على الإطلاق. ورفعت البنوك المركزية فى كوريا الجنوبية ونيوزيلندا وسنغافورة والفلبين تكاليف الاقتراض فى الأيام القليلة الماضية، وقدم الأخيران تدخلات مفاجئة، ولن يؤدى ذلك إلى تغيير أسعار الصرف على أساس مستدام غداً، لكنه قد يساعد فى حمايتهم من التراجعات الكبيرة، وهذه البلدان لديها أسباب محلية جيدة للتدخل: التضخم مرتفع للغاية.
ماذا إذن عن المتمردين الذين يرفضون رفع الفائدة أو يفضلون التخفيضات مثل تركيا؟ أم الدول التى اتبعت مساراً أقل توتراً، لكنها مع ذلك قاومت الانضمام إلى التدافع فى رفع الفائدة؟ تايلاند هى مثال جيد على النهج الأخير.
ورفعت شركة بريد تايلاند أسعار تسليم الرسائل والطرود المحلية، وقد يبدو هذا أمر تافهاً مقارنة بالاضطرابات فى «وول ستريت» أو الشكوك حول استمرارية نظام اليورو، لكنه الخطوة الأولى من نوعها من قبل مؤسسة حكومية منذ ما يقرب من عقدين، وهو ما يعكس ضغوط التكلفة التى أصبحت أكثر أهمية من أن يتم تجاهلها، وتطلب الأمر موافقة مجلس الوزراء التايلاندى، الذى يصارع أكبر زيادة فى أسعار المستهلك الإجمالية منذ 14 عاماً.
ليس من غير المعقول الاعتقاد بأن بنك تايلاند سيكون متأخراً جداً عن الركب، وقال البنك المركزى يوم الخميس – بعد الزيادات المفاجئة فى سنغافورة والفلبين – إنه لا توجد حاجة لعقد اجتماع طارئ.
والأسبوع الماضى، أكد البنك أنه يريد سحب السياسة الميسرة تدريجياً فى «إقلاع سلس»، ونظراً إلى أن تايلاند بعيدة جداً عن نظيراتها الإقليمية والعالمية، فمن غير الحكمة اعتبار النتائج مسلم بها، يبدو الإقلاع السلس إلى حد كبير مثل «الهبوط الناعم»، وهى النتيجة التى يسعى كل بنك مركزى لتحقيقها عندما يتعثر النمو، والتاريخ ليس مليئاً بالنماذج الرائعة.
وفى تركيا، ارتفع معدل التضخم السنوى إلى 78.6% فى يونيو بينما توقع الاقتصاديون 79.9%، وصب أردوغان جام غضبه على محافظى البنوك المركزية فى محاولة للحصول على النتيجة التى يريدها، وهى مزيج من تعافى الليرة وخفض أسعار الفائدة، وآخر مصرفى مركزى رفع أسعار الفائدة لم يدم طويلاً، وتعد الليرة هى الأسوأ أداء بين الأسواق الناشئة إذ انخفضت بنحو 24% العام الجارى، ويزداد الألم سوءاً: تكلفة التأمين على السندات ضد التخلف عن السداد ارتفعت مؤخراً.
تحاول تركيا شق طريقها للأمام بالارتجال – والتفكير بالتمنى – على أمل أن تخف الضغوط التضخمية العالمية، وفى أواخر الشهر الماضى، فرض المنظمون قيوداً على قروض الليرة التجارية للشركات إذا كانت تمتلك الكثير من العملات الأجنبية، والفكرة هى تشجيع الشركات على بيع الدولار وشراء الليرة. وهو تصرف لا يبث الثقة.
وتقترب الليرة من مستوى قياسى منخفض، وأعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى فى تقرير يوم الخميس أن «السياسات الاقتصادية لتركيا تتسم بالتدخل بشكل متزايد ولا يمكن التنبؤ بها».
فى مرحلة ما، سيهدأ الهوس العالمى للرهانات المتصاعدة باستمرار على أسعار الفائدة، وكل شىء يجب أن يسير على ما يرام، لكن من غير الحكمة الاعتماد على ذلك إذ لم يشهد العالم سوى استثناءين كبيرين ومعقولين: الصين حيث عانى الاقتصاد فى الربع الأخير لكن تم احتواء التضخم نسبياً، واليابان حيث كان الانكماش أو التضخم المنخفض للغاية يمثلان التهديد الأكبر منذ أوائل التسعينيات.
تمارس حكومة الصين أيضاً تأثيراً كبيراً ومباشراً على سعر الصرف، وبينما تنعكس قوى السوق فى الاتجاه العام لليوان، يحد البنك المركزى من التقلبات اليومية فى نطاق ضيق، وتقوم الدولة بتوجيه اليوان مقابل سلة من العملات لكن الدولار هو الأهم.
لا يزال الدولار الملك يسود ويشكل الكثير من الحياة الاقتصادية والمالية على الأرض، وتبين أن الانحسار الأمريكى ليس نافذاً بالكامل.
بقلم: دانيال موس، كاتب مقالات فى بلومبرج ويغطى الاقتصادات الآسيوية
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج».