كانت الارتفاعات الكبيرة التي أعلنها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في أسعار الفائدة ، سبباً في الضغط على البنوك المركزية بجميع أنحاء العالم لتحذو حذوه وتتصدي للتضخم المرتفع والدولار القوي.
وجد تحليل أجرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن البنوك المركزية تبحث الآن في إقرار ارتفاعات كبيرة في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أو أكثر بشكل أكثر من أي وقت آخر خلال القرن الحالي، مما يبرز تحديات معالجة ضغوط الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية.
أدى رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، بما فيها إقرار أول زيادة بمقدار 75 نقطة أساس منذ عام 1994، والمخاوف بشأن صحة الاقتصاد العالمي، إلى دعم الدولار الأمريكي مقابل جميع العملات تقريباً.
ونظراً لتسعير العديد من السلع بالدولار في الأسواق الدولية، فإن الدولار القوي يضيف إلى الضغوط التضخمية عبر زيادة تكلفة الواردات، مما يخلق ما وصفه المحللون بأنه “حرب عملة عكسية” بين صُناع السياسة النقدية.
قال جيمس آثي، أحد مديري المحافظ بشركة “أبردن” الاستثمارية: “نرى ارتفاعاً جنونياً في أسعار الفائدة، وهذا عكس ما رأيناه في العقد الماضي، فحالياً آخر شيء يريده أي شخص هو العملة الضعيفة”.
أصبح صُناع السياسة في كندا آخر من فاجأ الأسواق بارتفاع أكبر من المتوقع في أسعار الفائدة، فقد اختاروا زيادة قدرها 100 نقطة أساس يوم الأربعاء، وهي الأكبر على الإطلاق من قبل أي اقتصاد في مجموعة السبع منذ عام 1998، بينما رفعت الفلبين أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اليوم التالي.
لقد أجريت 62 زيادة في أسعار الفائدة بما لا يقل عن 50 نقطة أساس من قبل 55 بنكاً مركزياً تتبعها “فاينانشيال تايمز” في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو.
كذلك، أجريت 17 زيادة كبيرة أخرى بمقدار 50 نقطة أساس أو أكثر في يوليو حتى الآن، مما يمثل أكبر عدد من التحركات الكبيرة في أسعار الفائدة في أي وقت منذ مطلع الألفية ويتجاوز أحدث دورة تشديد نقدي عالمية كانت في الفترة السابقة للأزمة المالية العالمية.
وقالت جين فولي، رئيسة استراتيجية الصرف الأجنبي في “رابوبانك”: “لقد رأينا هذه النقطة المحورية في السوق حيث يكون الرقم 50 هو الـ 25 الجديد”.
زادت البنوك المركزية في الدول المعرضة بشدة لضغوط سوق الصرف الأجنبي معدلات الفائدة بمبالغ كبيرة بشكل خاص.
وبرزت المجر، التي ارتفع معدل فائدتها الرئيسية بمقدار 385 نقطة أساس في شهرين فقط، إذ تواجه البلاد التضخم وانخفاض قيمة العملة مقابل الدولار بمعدلات مكونة من خانتين من الأرقام.
وقالت جينيفر ماكيون، رئيسة خدمة الاقتصاد العالمي في “كابيتال إيكونوميكس”، في تصريحات لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن مكون سعر الصرف مهم في اتخاذ قرارات السياسة النقدية بالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة.
وأشارت إلى أن الأمر يشمل العديد من الاقتصادات في أوروبا الناشئة التي تضررت عملاتها بسبب المخاوف الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى بيئة عامة من انعدام الثقة لدى المستثمرين.
مع ذلك، أثر هذا الاتجاه على البنوك المركزية في الدول الأكثر ثراءً أيضاً، فقد قرر البنك المركزي في كوريا الجنوبية أول زيادة بمقدار 50 نقطة أساس في يوليو الجاري.
ارتفعت أسعار الفائدة في معظم الاقتصادات المتقدمة من أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد التيسير الشديد من قبل البنوك المركزية خلال الأشهر الأولى من تفشي وباء كوفيد-19.
وفي ظل استمرار انخفاض أسعار الفائدة وفقاً للمعايير التاريخية، يتوقع خبراء الاقتصاد أن ترفع العديد من البنوك المركزية الكبرى أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أو 75 نقطة أساس في الاجتماعات المقبلة لتحديد أسعار الفائدة من أجل تقريب تكاليف الاقتراض إلى متوسطات طويلة الأجل.
بهذا الصدد، قالت ماكيون إن البنوك المركزية بحاجة إلى التحرك بسرعة لإخراج أسعار الفائدة من المنطقة “التحفيزية”، “خاصة في بيئة يرتفع فيها نمو الأجور وتوقعات التضخم وتزايد المخاطر من أن عدم اتخاذ أي إجراء سيسمح بتطور دوامات أسعار الأجور بشكل سلبي”.
لم يتخذ البنك المركزي البريطاني والبنك المركزي الأوروبي مثل هذه الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة بعد.
مع ذلك، قال ماثيو رايان، كبير محللي السوق في شركة الخدمات المالية العالمية “إيبيري”، إن البنك المركزي البريطاني “سيحتاج على الأرجح إلى الانضمام إلى” نادي الخمسين “من أجل رفع الجنيه الإسترليني من مستوياته المقموعة الحالية”.
لا شك أن رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل أكثر سيضغط على العديد من الأسواق الناشئة للحاق بالركب، رغم أن العديد منها بدأ في تشديد سياساتهم النقدية خلال العام الماضي، قبل الاقتصادات المتقدمة.
قال أوجستين كارستينز، المدير العام لبنك التسويات الدولية، في مؤتمر نظمه البنك المركزي الأوروبي مؤخراً، إن الأسواق الناشئة “تعلمت الدروس” من دورات التشديد الأمريكية السابقة.
وقال كارستينز إنه رغم أن الأسواق الناشئة سترفع أسعار الفائدة بشكل تقليدي بعد نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة، “فإنها بدأت في وقت مبكر جداً وما يمكنك رؤيته هو أنها تمكنت من الحفاظ على استقرار أسعار الصرف لديها تماماً”.