ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوياته منذ 20 عاماً يؤثر سلباً على الشركات ذات العمليات العالمية
قضى الدولار القوى على مليارات الدولارات من مبيعات الربع الثانى للشركات الأمريكية، الأمر الذى دفع الكثير إلى خفض توقعاتهم لبقية العام.
نمت قائمة كبار المتضررين الذين تكبدوا ملايين أو مليارات الدولارات يوماً بعد يوم جراء صعود العملة الأمريكية إلى أعلى مستوى لها منذ 20 عاماً فى يوليو الجارى، بما فى ذلك شركات «آى.بى.إم» و«نتفليكس» و«جونسون آند جونسون» و«فيليب موريس».
تسببت صدمة العملة فى تشويش فترة الأرباح التى كانت تخضع للدراسة عن كثب بحثاً عن إشارات على ضعف الاقتصاد العالمى، حيث يؤثر التضخم المرتفع والسياسة النقدية الأكثر تشدداً فى الطلب التجارى والاستهلاكى.
وتشير البيانات الاقتصادية بالفعل إلى تراجع النشاط، حيث يقلل التضخم من القدرة الشرائية الحقيقية للمستهلكين، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
قال ماكس كيتنر، خبير استراتيجى فى بنك «إتش.إس.بى.سى»: «حتى لو توقف ارتفاع الدولار عند هذه المرحلة، فإن قوته التى شهدناها خلال الـ 12 شهراً الماضية ستكون كافية لدفع المزيد من التخفيضات فى تقديرات الأرباح فقط بسبب الرياح المعاكسة لصرف العملات الأجنبية».
تلقى الدولار دعما من الاحتياطى الفيدرالى، حين رفع صُناع السياسة فى واشنطن أسعار الفائدة بسرعة فى محاولة لتهدئة التضخم الذى وصل إلى مستوياته منذ 40 عاماً، ويتوقع أن يستمروا فى تشديد السياسة لكبح الطلب، ورفع أسعار الفائدة بشكل أعلى بكثير من نظيرائهم فى أوروبا واليابان.
جدير بالذكر أن أسعار الفائدة المرتفعة عادةً ما تجذب المستثمرين الأجانب، ما يؤدى إلى زيادة الطلب على العملة.
مع ذلك، تعانى الشركات الأمريكية التى لديها أعمال كبيرة فى الخارج لأن الدولار القوى يقلل من قيمة مبيعاتها الدولية ويجعلها أقل تنافسية مقارنة بالمنافسين المحليين.
فى الوقت نفسه، يثبت التباطؤ فى جميع أنحاء أوروبا وعمليات الإغلاق فى الصين، المصممة للسيطرة على تفشى كوفيد-19، أنه مشكلة بالنسبة للشركات الأمريكية التى لديها عمليات خارجية كبيرة.
حذرت شركة «آى.بى.إم» مؤخراً من أن قوة الدولار قد تقلل من إيراداتها خلال العام الجارى بمقدار 3.5 مليار دولار، بما فى ذلك نحو 900 مليون دولار فى الربع الثانى.
وخفضت شركة «جونسون آند جونسون» توقعاتها وحذرت من أن ارتفاع الدولار السريع قد يخفض مبيعاتها خلال العام الجارى بمقدار 4 مليار دولار، كما قدرت «نتفليكس» انخفاض مبيعاتها إلى 339 مليون دولار بين أبريل ويونيو بسبب قوة الدولار.
وتنضم هذه الشركات إلى قائمة طويلة من الشركات، مثل «مايكروسوفت» و«سيلز فورس» و«ميدترونيك»، التى أثارت هذه المشكلة بالفعل قبل أن يرتفع الدولار الأمريكى إلى مستوى التكافؤ مع اليورو.
قال جيمس كافانو، المدير المالى لشركة «آى.بى.إم»، فى مكالمة أرباح الشركة، إن «سرعة قوة الدولار هى الأكبر منذ أكثر من عقد من الزمان، فقد انخفض أكثر من نصف العملات التى نتحوط لها بأكثر من رقمين مقابل الدولار الأمريكى خلال العام الجارى، لذلك فهذا أمر غير مسبوق إلى حد ما، من وجهة نظرى».
تتعرض شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل حاد للدولار الأمريكى نظراً لبصمة الصناعة فى الخارج.
وقدر بنك «جولدمان ساكس»، أن %59 من مبيعات شركات التكنولوجيا المندرجة ضمن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» تمت خارج الولايات المتحدة، وهذا أعلى بكثير من متوسط الشركات الأمريكية ذات رؤوس الأموال الكبيرة المتداولة.
كما حققت مجموعات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ككل %29 من إيراداتها البالغة 14 تريليون دولار فى 2021 فى الخارج.
وفقا لـ« ديان جافى»، كبيرة مديرى المحفظة فى مجموعة «تى.سى.دبليو، إن «بعض الشركات تعانى أكثر من غيرها مع الدولار، فبرغم انخفاض التقييمات قليلاً فى قطاع التكنولوجيا إلا أننا نريد أن نكون حذرين للغاية بسبب المخاوف المتعلقة بأسعار الصرف الأجنبى التى تؤثر فى شركات التكنولوجيا أكثر من غيرها».
أظهرت العوائد أن المستثمرين يفضلون أسهم الشركات التى لها أعمال فى الولايات المتحدة فى المقام الأول.
انخفض مؤشر «جولدمان» للشركات الأمريكية ذات الانكشاف الدولى الكبير بأكثر من الضعف خلال العام الجارى مقارنة بنظيره المحلى، حيث انخفض بنسبة %19.6 مقابل %9.1 فى المؤشر المحلى.
غالبا ما تتخلف تأثيرات الدولار فى الأرباح عن التحول الفعلى للعملة، لذلك يمكن الاستشهاد بالدولار القوى لعدة أرباع مقبلة حتى لو تباطأ ارتفاعه.
ويتوقع كارل شاموتا، كبير استراتيجيى السوق فى شركة «كورباى»، أن يصل الدولار الأمريكى إلى الذروة الآن، لأن كثيراً من المستثمرين يراهنون على أن الاحتياطى الفيدرالى سيضطر إلى التخفيف من وتيرته الشديدة فى زيادة أسعار الفائدة مع تباطؤ الاقتصاد الأمريكى.
وأوضح شاموتا، أن «الارتفاع الكبير فى قيمة الدولار الأمريكى، خاصة بالنسبة لليورو والين، كان تأثيره كبير متأخر على الأرباح ويُحتمل أن نشهده على مدى الربعين السنويين المقبلين».