لدى أفريقيا قوة عاملة شابة ضخمة وسريعة التوسع، وهؤلاء العمال الشباب بحاجة إلى وظائف منتجة، ونحن نعلم ما هو مطلوب لتوليد هذه الوظائف: المؤسسات، وليست المشاريع الصغيرة غير الرسمية ، مثل مزارع أصحاب الحيازات الصغيرة، وإنما مؤسسات ذات هيكل رسمي كافٍ لزيادة التمويل للاستثمار، والكفاءة الإدارية الكافية لجني مكاسب الإنتاجية من الحجم والتخصص.
ومع ذلك، تفتقر أفريقيا بشدة إلى مثل هذه المنظمات، التي هي موجودة في أوروبا وأمريكا الشمالية والصين، إذ تتقدم القوى العاملة في السن وتتقلص، وفي الوقت نفسه، فإن العمال الشباب الذين لديهم الطاقة والشهية للتكيف مع التقنيات الجديدة موجودون في إفريقيا.
لعقود من الزمان، أبقى القادة الأفارقة بلدانهم محاصرة في المسار البطيء، وقاموا ببناء شبكات حول المحسوبية، والعديد من الشركات التي دخلت أفريقيا في هذه الظروف شقت طريقها إلى الاحتكارات المحلية وابتكرت طرقاً لجني الأرباح العالية الناتجة من القارة، وبمجرد أن تترسخ التوقعات حول المحسوبية والامتيازات، فإنها تصبح ذاتية التحقق.
التحرر من هذه التوقعات يمثل تحديا، لكن في الآونة الأخيرة، فعلت بعض الحكومات ذلك، وهناك نماذج مؤثرة من التحولات الناجحة، مثل التحول الذي شهدته سنغافورة تحت رئاسة رئيس الوزراء الأول لي كوان يو الذي خدم لفترة طويلة، والذي سجن زملاء فاسدين لجعل التغيير ذا مصداقية.
لكن أفريقيا اليوم مختلفة عن سنغافورة في الستينيات.
على سبيل المثال، وضعت حكومة رواندا غير الساحلية مساراً مبتكراً حول السياحة: عطلات قصيرة عالية الجودة تعتمد على حضور المؤتمرات، وتعد رواندا الآن الوجهة الثالثة الأكثر شعبية في أفريقيا للمؤتمرات – والسياحة كثيفة العمالة، والمسار مماثل المشهود في غانا، الدولة الساحلية والغنية بالموارد، سوف يستغل فرصًا مختلفة.
توفر هذه التحولات إمكانات هائلة طويلة الأجل للشركات الدولية التي يعد نجاحها مهم أيضاً بالنسبة للغرب لإبعاد الحكومات الأفريقية عن الخيارات البديلة.
لكن التحولات محفوفة بالمخاطر، فبمجرد أن تفشى فيروس كوفيد 19، أغلقت رواندا حدودها، لكنها احتوت انتشار الفيروس وطعمّت أكثر من 60% من سكانها البالغ عددهم 13 مليون نسمة – على قدم المساواة مع المستويات الأوروبية.
وقد أعيد افتتاح البلاد منذ ذلك الحين وتهدف إلى مضاعفة عائدات السياحة إلى 800 مليون دولار بحلول عام 2024. ومع ذلك، توضح الصدمة أن التحولات بحاجة إلى دعم.
واجهت شركات الطيران والفنادق وحدائق الألعاب وغيرها من الشركات في رواندا الضغوط المالية نفسها التي تواجهها الاقتصادات المتقدمة، وقدمت الحكومات الغنية دعماً مالياً ضخماً لأعمالها.
الآن، مع تراجع كوفيد، تغيرت أنماط الطلب والتكاليف لدرجة أن بعض الشركات ستضطر للإغلاق.
لكن، بعد الحفاظ على القدرة التنظيمية للأعمال، ستكون الشركات الأخرى في وضع جيد للنمو، مما يساعد على تعويض فقدان الوظائف.
وتطلبت التحولات في أفريقيا دعمًا ماليًا من المجتمع الدولي لتمكين الحكومات من تقديم مساعدة مماثلة. لا تزال الحاجة إلى مثل هذا الدعم ماسة: فالقارة تفتقر إلى رأس المال التنظيمي للقطاع الخاص ولا يمكنها تحمل حالات الإفلاس الناجمة عن فيروس كوفيد، ومع ذلك، خلال الوباء، لم يكن رأس المال ذاك متوافراً بشكل كافٍ.
في أعقاب اضطراب “كوفيد”، أصبحت فرص الأعمال واضحة في جميع أنحاء العالم: يجب ترك بعض الشركات لمصير الإغلاق، ولكن يجب تمويل العديد منها للبقاء على قيد الحياة، والبعض الآخر يتميز بالتوسع السريع.
يعد تقديم مساعدة مماثلة للتحولات الأفريقية ذو منفعة عامة عالمية هائلة: فهم بحاجة إلى دعم لتمكينهم من أن يصبحوا قدوة تُلهم البلدان الأخرى.
لحسن الحظ، هناك طريقة لربط الموارد المالية للحكومات الغنية بالعديد من تلك الشركات في أفريقيا والتي ينبغي أن تمولها، من أجل المصلحة العامة العالمية، وستكون الأموال المتضمنة لا تذكر من حيث القيمة المجردة او النسبية عند مقارنتها بالعائد المحتمل.
فيما بينها، تمتلك حكومات الدول الغنية حوالي 40 مؤسسة لتمويل التنمية، معظمها تعمل مع شركات أفريقية. إذا قاموا بتجميع المعلومات، فيمكنهم تقدير التكلفة الإجمالية للدعم اللازم بسرعة وإبلاغ مجموعة العشرين والمؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأفريقي بذلك علنًا، ويمكن لتحالف من الدول الراغبة أن يلتزم بتقاسم المبالغ المتواضعة التي ينطوي عليها الأمر.
وهذا من شأنه أن يشكل سابقة: ستتم حماية التحولات الأفريقية من الانحرافات الخارجة عن السيطرة المحلية، وهذا من شأنه أن يجعل أفريقيا أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين ويساعدها على تمهيد الطريق للنمو.
بقلم: بول كوليير، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة بكلية بلافاتنيك الحكومية، جامعة أكسفورد، ومدير مركز النمو الدولي.
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.