منذ أن حررت أوكرانيا منطقة خاركيف، نهاية الأسبوع الماضي بعد الاحتلال الروسي، تساءل المراقبون الغربيون كيف يمكن أن ترد موسكو؟ والآن يعرفون جزئيا الإجابة.
قال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال لصحيفة فاينانشيال تايمز يوم الخميس: “روسيا ردت على هجوم أوكرانيا المضاد بتدمير البنية التحتية المدنية”، مشيرًا إلى أن الصواريخ الروسية دمرت محطات الكهرباء وألحقت أضرارًا جسيمة بسد كريفي ريه العملاق.
هذا يخلق تحديات إنسانية وعسكرية كبيرة، لكنه يثير أيضًا سؤالاً اقتصادياً رئيسياً: هل تستطيع كييف مواجهة التكاليف المالية الفورية والمتصاعدة للدمار دون الانزلاق إلى أزمة مالية و/ أو تضخم مفرط؟
المشكلة بالنسبة لأوكرانيا ليست فقط كيفية تمويل تكاليف إعادة الإعمار في وقت السلم في المستقبل، والتي تقدر بنحو 350 مليار دولار، كما أنها تواجه أزمة موازنة فورية إذ تحاول الحفاظ على اقتصادها (وشعبها) على قيد الحياة، وتحاول مواصلة توفير الكهرباء، وما لم تتلق مساعدة سريعة من صندوق النقد الدولي، من بين آخرين، فإنها تخاطر بخسارة هذه المعركة الاقتصادية بغض النظر عما يحدث على الجانب العسكري.
أوضح كيريلو شيفتشينكو، محافظ البنك المركزي، المشكلة بقوة في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
فمنذ الغزو، تقلص الاقتصاد الأوكراني بأكثر من الثلث، وقفز التضخم فوق 20% ودُمرت البنية التحتية المقدرة بنحو 97 مليار دولار بحلول يونيو فقط.
هذا مقلق، لكن يمكن أن تزداد الأمور سوءاً قريبًا، ويقول شميهال إن الحكومة تعاني حاليًا من فجوة تبلغ 5 مليارات دولار في ميزانيتها الشهرية منذ انهيار الإيرادات الضريبية في حين ارتفع الإنفاق العسكري.
أخبرني المصرفيون أن الدائنين الغربيين المتعاطفين قد “أعادوا تشكيل” الديون الخارجية الحالية، مما وفر لكييف نحو 6 مليارات دولار، ويقول شميهال إن وزارة المالية باعت أيضاً 14.5 مليار دولار من سندات الحرب المقومة بالعملة المحلية وتخطط لبيع المزيد.
لكن البنك المركزي حذر من الإفراط في إصدار سندات الحرب لأنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى تضخم مفرط، وله الحق في أن يقلق فغالبًا ما تثير الحرب دوامات تضخمية كارثية.
ورغم أن كييف تلقت ما يقدر بنحو 17 مليار دولار من القروض والمنح الدولية العام الحالي، فإن هذا لا يسد الفجوة المالية بالكامل، ويعتقد شميهال أن أوكرانيا ستواجه عجزًا شهريًا يبلغ حوالي 3.5 مليار دولار عام 2023، بافتراض استمرار الحرب.
إذن، ما الذي يجب أن يفعله الغرب بعد ذلك لدعم الدفاعات المالية لأوكرانيا؟ ربما تكون أهم خطوة هي حث صندوق النقد الدولي على تقديم دعم حقيقي.
نفذ الصندوق بالفعل برنامج تعديل هيكلي واحد في أوكرانيا عام 2015. كما قدم مبلغين صغيرين من المساعدات الطارئة بقيمة 1.4 مليار دولار منذ الغزو. ظهرت الخطوة الثانية هذا الأسبوع بعد أن تحدثت كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي عبر الهاتف، بينما كان متوجهاً إلى خطوط الجبهة الشرقية.
ومع ذلك، تطلب كييف الآن من الصندوق تقديم برنامج كامل والذي حتى يكون مثاليا لا ينبغي أن يقل عن 15 مليار دولار، وهذه الأرقام ليست غير مسبوقة في تاريخ صندوق النقد الدولي: تلقت اليونان والأرجنتين المزيد لمحاربة أزمتهما. ولكن ما قد يجعل أي صفقة تتعلق بأوكرانيا مثيرة للجدل هو أن صندوق النقد الدولي لم ينفذ أبدًا برنامج تعديل هيكلي كبير في بلد غارق في حرب شاملة من قبل.
علاوة على ذلك، كانت علاقات أوكرانيا مع صندوق النقد الدولي شائكة في السنوات الأخيرة، ويشعر الاقتصاديون في الصندوق بالقلق إزاء “سوء الإدارة” في البلاد (العبارة المهذبة للفساد) والتزام زيلنكسكي غير المنتظم بالإصلاح الاقتصادي في الماضي.
من جانب أوكرانيا، كان هناك استياء واسع النطاق من الممولين الغربيين وخطط التقشف التي وضعها صندوق النقد الدولي – ومعارضة فكرة استيلاء المستثمرين الأجانب على الأصول الأوكرانية، لدرجة أنه عندما كان زيلينسكي “مجرد” ممثل تلفزيوني يلعب دور الرئيس الخيالي في البرنامج الشعبي “خادم الشعب” (قبل أن يصبح الرئيس الفعلي في عام 2019)، طرد بحماس صندوق النقد الدولي من أوكرانيا. ولا يمكنك اختلاق معنويات غير موجودة بالفعل.
لكن الحرب تعمل الآن على إعادة ضبط الاقتصاد السياسي في أوكرانيا، مما يؤدي إلى مستويات لم يكن من الممكن تصورها من الوحدة والابتكار – وتقويض قوة الأوليغارشية المهيمنة سابقًا، وهذا يخلق المزيد من الانفتاح على الإصلاح. وتحاول حكومة زيلنكسي إظهار أنها ستكون مسؤولة مالياً بالقدر الذي يحتاجه صندوق النقد الدولي.
لذلك، أنا شخصياً، آمل أن يجد صندوق النقد الدولي الشجاعة لتقديم دعم ذي مغزى قريبًا، لأسباب ليس أقلها أن هذا قد يؤدي إلى مزيد من المساعدة من الولايات المتحدة وأوروبا أيضًان ويمكن لبرنامج إصلاح صندوق النقد الدولي أن يجذب المزيد من استثمارات القطاع الخاص إذا (أو عندما) انتهت الحرب، أو حتى قبل ذلك إذا بدأت الحكومات الغربية في تقديم تأمين الحرب إلى مستثمري القطاع الخاص.
من جانبها، أشارت جورجيفا إلى أنها تستعد لتكون مبدعة: بعد التحدث إلى زيلينسكي، أخبرت الموظفين أننا “سنقوم إلى حد ما بتعديل قدرتنا على المشاركة” و”هناك زخم نحو برنامج متكامل”.
هذه أخبار جيدة لكنها لا تستطيع العمل بدون دعم مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، لذا تتجه الأنظار الآن إلى ما ستفعله الحكومات الأمريكية والأوروبية في اجتماع الخريف لصندوق النقد الدولي الشهر المقبل، وهناك الكثير على المحك – لكل من كييف والغرب.
بقلم: جيليان تيت، رئيسة هيئة التحرير والمحرر العام لصحيفة “فاينانشيال تايمز” بالولايات المتحدة.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.