من المقرر أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي في الصين العام الحالي عن بقية آسيا للمرة الأولى منذ عام 1990، وهذا التنبؤ من قبل البنك الدولي، إذا تحقق، لا يشير فقط إلى تباطؤ في تكوين الثروة العالمية، ومع تعيين الرئيس شي جين بينغ لولاية ثالثة من قبل مؤتمر للحزب الشيوعي يبدأ نهاية الأسبوع المقبل، فإنه يتحدى بكين أيضاً لإيجاد مصادر جديدة لدفع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
عانت الصين من فترات تباطؤ في الماضي ولكن هذه المرة مشاكلها هيكلية بشكل خاص، ورغم أن سياسات “صفر كوفيد” المثيرة للجدل في البلاد قد وجهت ضربة قوية، إلا أن نقاط الضعف طويلة المدى تنبع من انهيار سوق العقارات والضغوط المتزايدة على موازنات الحكومات المحلية، وحتى بعد الانتعاش المتوقع بعد كوفيد، من المرجح أن تستمر هذه العوائق على الاقتصاد، وقد زاد من حدة هذه المشكلات تسارع شيخوخة المجتمع ومعدل المواليد الذي انخفض بنحو 45% بين عامي 2012 و2021.
وبالمثل، فإن انحسار موجات المد الهائلة للهجرة من الريف إلى الحضر التي غذت طفرة التصنيع في الصين يضعف الزخم وراء بناء المدينة، ويؤدي عدم الكفاءة في تخصيص رأس المال إلى تضاؤل عائدات توظيف مجموعة كبيرة من المدخرات الوطنية، وبينما لا يزال دور الصين في التجارة الدولية قوياً، فإن العقوبات الأمريكية على التجارة والتكنولوجيا يمكن أن تؤثر على قدرتها التنافسية بمرور الوقت.
كل هذه المشاكل هيكلية إلى حد ما، فهي تنذر بمستقبل اقتصادي قد يكون مختلفاً تماماً عن العقود الثلاثة الماضية للصين، وإذا تأكدت توقعات البنك الدولي بشأن نمو بنسبة 2.8% العام الجاري، فسوف تمثل انخفاضًا حادًا عن هدف بكين الرسمي البالغ 5.5%. كما يمكن أن ينذر بمعدلات نمو أبطأ بشكل ملحوظ على المدى الطويل.
وكان الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة أن الحل هو أن تهدف الصين إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي. سيتطلب القيام بذلك مزيدًا من إعادة التوزيع على الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل، مما يترك لهم المزيد من الدخل المتاح للإنفاق على أنفسهم، وجزئيًا عن طريق تقليل العوامل التي تدفعهم إلى إدخار جزء كبير من دخلهم.
يعد المستوى المرتفع للغاية لمدخرات الأسر الصينية أحد الأسباب وراء ارتفاع معدل المدخرات الوطنية الإجمالية للصين – والذي يبلغ 44% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 22.5%، وتتكشف الدوافع التي تدفع العائلات إلى الإدخار أكثر من أي بلد آخر على وجه الأرض.
أدى تفكك الاقتصاد الذي تديره الدولة منذ أواخر الثمانينيات إلى تحطيم “وعاء الأرز الحديدي” (مصطلح صيني يعني الأمان الوظيفي العالي) من الإسكان والرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وغيرها من المزايا، مما أدى إلى غرس الشعور بعدم الأمان، ومئات الملايين من العمال الذين هاجروا من المزارع إلى المصانع في العقود الأخيرة غير مؤهلين للحصول على مزايا رعاية المدينة، مما يجبرهم على الادخار، وتعني سياسة الطفل الواحد، التي أدخلت منذ الثمانينيات، أن الآباء لا يتوقعون الاعتماد على أسرة ممتدة في سن الشيخوخة.
هذه الضغوط – إلى جانب معاشات الدولة التي تعاني من نقص التمويل، والتكاليف المتصاعدة للتعليم والعلاج الطبي (والتي تفاقمت بسبب الفساد في المستشفيات) – تعزز عقلية الادخار، ويؤدي هذا إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي، خاصةً عندما تنخفض معظم قيم الأصول جنبًا إلى جنب مع أسعار العقارات ومؤشرات سوق الأسهم، وبناء نظام مالي أكثر تطوراً يمكن أن يضمن أن كمية المدخرات الضخمة ستمول استثمارات أكثر إنتاجية.
إذا أرادت الصين أن تجعل النمو أكثر استدامة، فإنها بحاجة إلى تمكين المستهلكين. على وجه الخصوص، يجب على بكين تخصيص تحويلات مالية ضخمة في صناديق التقاعد الحكومية لكل من سكان المدن والريف. هذا سيكلف الكثير ولكن إذا كان شي جادًا في خلق “رخاء مشترك” للأجيال القادمة، فعليه أن يجعله أولوية.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.