لا شك أن النص أصبح مألوفا، إذ يصر بنك الاحتياطي الفيدرالي على ترويض التضخم عبر رفع أسعار الفائدة بلا رحمة، فضلاً عن ارتفاع الدولار وتشديد الأوضاع المالية العالمية وسقوط الاقتصاد العالمي في تباطؤ واسع.
لكن هذه المرة، ثمة منعطف، فقد أصبح هناك هدوء مخيف بدلاً من التحدث في أزمات الأسواق الناشئة.
لعقود من الزمن، كانت الدول متوسطة الدخل سريعة النمو مصدراً للمتاعب المالية، فقد أشعلت الحملة التي شنها الاحتياطي الفيدرالي في أوائل الثمانينيات ضد التضخم المكون من خانتين شرارة أزمة ديون في أمريكا اللاتينية.
وفي عام 2010، تسبب تطبيع السياسة بعد الأزمة المالية العالمية في إثارة الاضطرابات لدى “الدول الخمس الهشة”، وهي البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا.
وربما كان من المتوقع أن يحدث نفس الشيء أثناء التشديد الحالي، وهو الأكثر حدة منذ أوائل الثمانينيات، حسبما ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
في التوقعات المنشورة في 11 أكتوبر، خفض صندوق النقد الدولي مرة أخرى توقعاته للنمو العالمي، وحذر من أن الاقتصادات التي تمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي تتجه نحو الانكماش، فقد أصبحت أفقر دول العالم على وشك الانهيار، كما يعيش أكثر من مليار شخص في اقتصادات تواجه الآن ضائقة شديدة.
مع ذلك، فإن معظم الدول الكبيرة ومتوسطة الدخل تتغلب على العاصفة.
يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الناشئة ستتفوق بشكل كبير على الاقتصادات الغنية خلال العامين الحالي و المقبل، رغم التباطؤ في الصين والانكماش في روسيا.
في الوقت الذي ينخفض فيه اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني مقابل الدولار الأمريكي، تمكنت الروبية الهندية والروبية الإندونيسية من تسجيل انخفاض أكثر رشاقة، وارتفعت عملات البرازيل والمكسيك، كما بدأ التدخل الطارئ للبنك المركزي في لندن بدلاً من برازيليا.
لا شك أن مرونة العالم الناشئ تعد بشكل جزئي قصة نضوج.
منذ أزمات الثمانينيات والتسعينيات، نمت الأسواق المالية المحلية بشكل أعمق وإدارت البنوك بشكل أفضل، وتحسن صُنع السياسات.
لقد تعلم المسؤولون مخاطر الميزانية غير المبالية والعجز الضخم في الحساب الجاري، كما أصبحت البنوك المركزية أكثر استقلالية، وقد اعتمدت مناهج استهداف التضخم المستخدمة في العالم الغني.
لقد أثبت هذا التطور والرعاية قيمته خلال العامين الماضيين، وبدأت العديد من البنوك المركزية ذات الدخل المتوسط، رفع أسعار الفائدة قبل وقت طويل من الدول الغنية، وهذا الأمر منع ارتفاع التضخم من الخروج عن نطاق السيطرة، كما أوقف انخفاضات العملة المزعزعة للاستقرار.
فعلى سبيل المثال، البرازيل، التي عانت من التضخم المفرط في أوائل التسعينيات، لكنها عملت في العقود الأخيرة لترسيخ مصداقية واستقلالية بنكها المركزي، فعندما قفز التضخم واضطرب الريال البرازيلي في أوائل العام الماضي، استجاب البنك المركزي برفع حاد في أسعار الفائدة وصل إلى زيادة تراكمية بنحو 12 نقطة مئوية.
كذلك، انخفض التضخم من ذروة بلغت 12% في أبريل إلى أقل من 8%، وكانت العملة البرازيلية من بين أفضل العملات أداءً في العالم.
في غضون ذلك، في العالم الغني، شهدت البنوك المركزية التي تخلفت عن جدول تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي، مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، انخفاضات حادة في قيمة العملة، ولم تشهد بعد ارتفاع التضخم.
كذلك، تحسنت أنظمة الصرف الأجنبي في الأسواق الناشئة، فقد كانت هذه الاقتصادات تعتمد في السابق على ربط أسعار الصرف لاحتواء التضخم وتأمين ائتمان أرخص، لكن أعوام الأزمة شجعت على التحرك في اتجاه أنظمة السعر العائم، حيث يكون للأسواق دور أكبر في رأي قيمة العملة.
الآن، تتدخل معظم الحكومات من حين لآخر فقط للتكئ على التحركات السريعة أو الكبيرة غير المرغوب فيها، وقد ربط الكثيرون ذلك باحتياطيات أعمق من العملات الأجنبية.
خلال الأوقات الجيدة قاموا بشراء أصول مقومة بعملات احتياطية، مثل الدولار، وهذا يؤدي إلى إبطاء وتيرة ارتفاع عملاتهم وبناء كومة من الأصول الآمنة.
في عام 1998، بلغت احتياطيات النقد الأجنبي العالمية 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 15% بحلول عام 2020، وهو ما يمثل 13 تريليون دولار أمريكي.
بالرغم من أن الاحتياطيات الصينية التي تزيد عن 3 تريليون دولار تشكل جزءاً كبيراً، فإن حكومات الأسواق الناشئة الأخرى قد كونت أكواماً هائلة، كما تبلغ القيمة الإجمالية لاحتياطيات الهند أكثر من 500 مليار دولار، على سبيل المثال، والبرازيل تبلغ قيمتها أكثر من 300 مليار دولار.
يمكن نشر هذه الاحتياطيات لإبطاء انخفاض قيمة العملة عندما تنخفض شهية المستثمرين للمخاطرة، فقد باعت الهند خلال العام الجاري ما قيمته 40 مليار دولار لإبقاء مستوى انخفاض الروبية متواضعاً ومنظماً.
ومع ذلك، تكون الاحتياطيات أكثر قيمة في خضم الأزمة، حيث يمكن استخدامها لسداد قيمة الواردات المهمة وسداد مدفوعات الديون بالعملة الصعبة، وبشكل حاسم، تساعد في طمأنة المستثمرين الأجانب بأن الالتزامات سيتم الوفاء بها.
لقد عالجت الاقتصادات الناشئة أكبر نقاط ضعفها، والتي تتمثل في عدم القدرة على الاقتراض بعملتها الخاصة، فهذه الحكومات لم يكن أمامها في السابق خيار سوى قبول القروض المقومة بعملات أخرى.
هذا الضعف يمكن أن يحول انخفاض معنويات المستثمرين إلى كارثة مالية، نظراً لأن الانخفاض في العملة المحلية زاد من عبء الديون بالعملة الأجنبية، حيث يمكن أن يؤدي الضعف الاقتصادي أو الأسواق المتوترة إلى بدء هروب رأس المال وزيادة الضغط لخفض القيمة وفقدان الثقة في الجدارة الائتمانية للحكومة، والتي غالباً ما تنتهي بفوضى التعثر عن السداد.